سلسلة تعرف على البرمجيات الحرة: رخص البرمجيات الحرة

نشره Fahad في

قد يظن البعض أن توفر البرمجيات الحرة والمفتوحة المصدر بشكل مجاني في الغالب، أنها لا تأتي برخصة قانونية يجب الالتزام بها، بل هي تندرج تحت رخصة الملكية العامة، هذا الظن كثيرا ما يقع للمستخدمين الجدد للبرمجيات الحرة، ولكن بحسب القانون الملكية الفكرية الذي تكاد جميع الدول تلتزم به، فإن أي عمل إبداعي يرخص بشكل تلقائي تحت بند جميع الحقوق محفوظة ما لم ينص صاحب العمل على رخصة ثانية يذكرها بشكل صريح في بداية عمله. 

من هذا المنطلق وحتى تحقق البرمجيات الحرة أهدافها كان ولابد أن يبتكر مناصرو البرمجيات الحرة رخص قانونية تناسب احتياجاتهم وتطلعاتهم ولا يرضخوا لضغوط الرخص الاحتكارية المتوفرة في السوق والتي تتعارض بشكل جذري مع فكر البرمجيات الحرة، وحتى تتضح لك الصورة حول التعارض الحاصل بين رخص البرمجيات الحرة ورخص البرمجيات المملوكة نستعرض أهم نقاط التي تركز عليها رخص التجارية المتوفرة والمنتشرة بين الشركات.

تنص اتفاقية المستخدم النهائي من مايكروسوفت على أي شخص يشتري رخصة واحد فهو مرخص لاستخدام البرنامج على جهاز واحد فقط لشخص واحد فقط في المرة الواحدة على أن لا يزيد عدد المعالجات عن 2 ولا يمكن تثبيت النسخة المرخصة أكثر من مرة على الجهاز، كذلك لا يمكن استخدام أي من أيقونات أو الملفات الصوتية أو المرئية التي تأتي مع الويندوز في أي عمل أو مشروع أو موقع أو برنامج أيا كان الغرض!

لن تأخذ من الوقت إلا ثواني معدودة لتدرك أن هذه الرخصة تتعارض بشكل صارخ مع فكر البرمجيات الحرة والتي تضع المستخدم النهائي كطرف شريك في صناعة التقنية، لهذين السببين وهما دفع الالتباس عن البرمجيات الحرة والملكية العامة وبعدا عن الرخص الاحتكارية قرر ريتشارد ستولمان رئيس مؤسسة البرمجيات الحرة في عام 1989م أن يطلق رخصة برمجية حرة تناسب فكر حركة البرمجيات الحرة التي أسسها في عام 1985م وذلك بعدما رأى بعض الشركات تستغل توفر الشفرة المصدرية للبرمجيات الحرة بأن تطورها وتجعلها برامج مملوكة بحجة أنها تندرج تحت الملكية العامة.

هذه الرخصة التي أطلقها والتي أصبحت أشهر رخصة في عالم البرمجيات الحرة هي رخصة جنو العمومية والتي تختصر عادة GPL، وهي تنص على شروط تضمن الحقوق الأساسية للمستخدم النهائي وكذلك ضمان من جشع الشركات في استغلال جهود الآخرين.

تنص الرخصة على أنه يسمح لك باستخدام ونسخ وتعديل البرنامج لعدد غير محدود من الأجهزة والمستخدمين. كذلك تنص الرخصة على أن المطور ملزم بتوفير الشفرة المصدرية للبرنامج في حالة توزيعه وذلك ليضمن للمستخدم النهائي فرصة التعلم والتطوير والاعتماد الذاتي، ولكن بشرط واحد وهو وجوب ترخيص التعديلات المضافة تحت رخصة GPL ولزوم توفر الشفرة المصدرية للتعديلات للجميع في حالة توزيع البرنامج. 

رخصة جنو العمومية رخصة يفضلها المستخدمون النهائيون لأنها تكفل لهم حقوق بشكل لا يقارن مع اتفاقيات المستخدم النهائي للبرامج المملوكة، فلا يوجد قيد للاستخدام أو النسخ أو التوزيع، فهي لا تعتبر نسخ البرنامج سرقة بل حق مكفول للمستخدم، فلو أنك أعجبت ببرنامج حر معين وأردت أن توزيعه لأهلك وأصدقائك فلا يمنعك أحد من ذلك. 

كذلك هذه الرخصة مفضلة للمطورين الأفراد، بحيث تضمن لهم أن جهودهم التطويرية لن تذهب سدى في مصالح الشركات التجارية، لأن أي شركة تستخدم برمجياتهم ملزمة بأن تنشر التعديلات التي تضيفها للبرنامج الحر، بالإضافة إلى ذلك تفتح مجال كبيرا لبناء المعرفة التطويرية فمطور الجديد لا يحتاج إلا إلى الوقت الكافي لقراءة شفرات المصدرية للبرامج الحرة والتي تتوفر بشكل مجاني للجميع، بالإضافة إلى فتح باب المشاركة والانضمام إلى الفرق التطويرية وفهم معمارية البرمجيات الضخمة والتي في مستوى نظام التشغيلي.

رخصة جنو العمومية للأسف لا تعجب الشركات بشكل عام لأنها تحوي على شرط قاسي، وهو في حالة استخدام برنامج حر في جزئية معينة من برنامج مملوك فأنت ملزم بأن تفتح الشفرة المصدرية بالكامل، لذى تتجه الشركات إلى رخصة حرة أخرى متساهلة في هذه النقطة وهي رخصة BSD وهي رخصة شبيه جدا برخصة المشاع العام ولا تنص إلا على ثلاثة شروط وهي في حالة توزيع الشفرة المصدرة فأنت ملزم بالحفاظ على حقوق الملكية وإخلاء المسؤولية المرفق مع البرنامج، وفي حالة توزيع الصيغة التشغيلية للبرنامج فأنت ملزم بوضع الرخصة وقائمة المطورين ضمن مستندات البرنامج، والشرط الثالث لا يحق لك استخدام أسماء المطورين والمشاركين في الترويج لمنتجك المشتق من دون إذن خطي مسبق، وما عدا ذلك فيحق لك استخدام البرنامج بالطريقة التي تناسب احتياجاتك.

قلنا رخصة بي اس دي تعجب الشركات لأنها تستطيع أن تطور البرنامج وتغلقه أو تستخدمه ضمن برامجها لتوفير الوقت والمال اللازم لتطوير مثل هذه البرمجيات، ولعل أشهر شركة استخدمت البرمجيات التي تحت رخصة بي اس دي هي شركة أبل عندما قررت أن تعيد كتابة نواة نظام الماك وذلك باستخدام نظام تشغيلي مرخص تحت رخصة بي اس دي يدعى داروين، بعد ذلك طورت عليه ليظهر للعالم نظام MAC OS X.

هناك العديد من الرخص الحرة التي تحافظ على الحريات الأربع للبرمجيات الحرة ولكنها تتنوع في إعطاء الحرية للشركات التجارية ما بين متشددة مثل رخصة جنو العمومية ومتساهلة مثل رخصة بي اس دي.

بقية نقطة أخيرة في رخص البرمجيات الحرة وهي رخص الأعمال الفنية المتعلقة بالبرمجيات الحرة مثل الرسوميات و المستندات والوثائق والشعارات، فالرخص السابقة لا تغطيها بل تتطلب رخص خاصة بها، ولتغطية هذه الفجوة ظهرت رخصة جديدة متخصصة بالأعمال الفنية الحرة ألا وهي رخصة المشاع الإبداعي ( Creative Commons).

رخصة المشاع الإبداعي تقوم على صيانتها وتطويرها منظمة غير ربحية بنفس الاسم المشاع المبدع، وهي تقدم أدوات سهلة ومجانية للاستخدام القانوني، وتحمل شعار بعض الحقوق محفوظة لدلالة على أن هذا العمل يندرج تحت بند المشاع الإبداعي، يمكن للمؤلف أن يختار رخصة توافق متطلباته باختيار أحد الرخص الأربع التالية: الأولى رخصة النسبة وهي إعطاء الآخرين حق النسخ والتوزيع والعرض واشتقاق أعمال منها بشرط أن ذكر المؤلف الأول، الرخصة الثانية هي المشاركة بالمثل وهي مثل رخصة النسبة ولكن بإضافة شرط أن الأعمال المشتقة من العمل الأول تخض لنفس الرخصة. أما الرخصة الرابعة فهي نفس رخصة المثل ولكن بإضافة شرط أنه لا يجوز استخدام العمل الفني في أغراض تجارية. والرخصة الرابعة هي السماح بالنسخ والتوزيع والعرض العمل الفني فقط ولا يسمح بعمل نسخة مشتقة منه أو مبنية عليه.

لاقت رخص المشاع الإبداعي الكثير من الرواج في عالم الإنترنت، فأكبر موسوعة معرفية تشاركية ويكيبيديا تحولت إلى رخصة المشاع المبدع المشاركة بالمثل، وهي تحوي أكثر من ثلاثة ملايين مقالة في النسخة الإنجليزية أما النسخة العربية فتعدت حاجز مئة ألف مقالة.

وهناك مشروع آخر يعتمد على المشاع المبدع وهو مشروع المكتبة العامة للعلوم وهي تحوي على مقالات متخصصة في مجال العلوم.

وهناك مشروع OpenCourseWare وهو مشروع واعد لتوفير الفصول الدراسية بشكل كامل على الأنترنت من أشهر معهد تقني في الولايات المتحدة MIT بدأ منذ عام 2004م، والآن يوفر أكثر من 1900 دورة متوفرة بشكل مجاني ومفتوح للجميع من أي مكان وقابلة للترجمة والتوزيع. بعد نجاح هذا المشروع أصبحت العديد من الجامعات الشهيرة توفر موادها الدراسية بشكل مجاني ومفتوح للجميع عبر الإنترنت، وهذا ما يفتح آفاق جديدة للتعلم وتطوير المهارات.

Comments