في أحيانٍ كثيرةٍ قد يقوم الواحد منا بسهولةٍ بأفعالٍ لو عرف مقدار خطورتها أو صعوبتها في البداية لما استطاع القيام بها ! و ربما يكون أهل الخبرة فيها و المتمرسين علي أدائها قد أحجموا عن ذلك لما يعرفونه (أو جربوه) من صعوبتها و العنت الذي يلقاه حتي أهل الخبرة.
و قد تحدث د. أحمد خالد توفيق عن هذا الأمر في مقالٍ ماتعٍ له تحت عنوان (عن شجاعة الجهل)، و حكي فيه عن مواقف حدثت له ما كان ليمر بها لولا جهله بصعوبتها أو خطرها !، و أحد هذه المواقف ما يلي:
و لو حاولنا الربط بين هذا التنظير و واقع تاريخ الحوسبة computing history لوجدنا سوابقاً تاريخيةً كثيرةً لهذا الأمر، بل و ربما كانت الإنجازات الأضخم في ذلك التاريخ من النوع الذي يسري عليه قانون شجاعة الجهل !
و منها علي سبيل الأمثلة لا الحصر:
-
بدء إنتاج أجهزة apple بالتعاون ما بين ستيف جوبز و ستيف وزنياك. و لو كانوا من دارسي اتجاهات الأسواق و تدفقات و استثمارات رؤوس الأموال (إلي آخر هذه الأمور الغريبة) لما أصبحت لديهما الجرأة علي التفكير في تصنيع حاسوبهم الخاص و منافسة الشركات الضخمة مثل IBM.
-
بدء مشروع نواة اللينوكس Linux kernel علي يد الطالب (لينوس تورفالدز)، ثم الطموح المجنون المتوحش لغزو العالم كله و أخذ مكان الويندوز و بقية تفرعات الأنظمة شبيهة اليونيكس unix- like OSs، و لو رأي (لينوس) كمية النقود التي تنفق علي تطوير تلك الأنظمة و عدد المبرمجين المخضرمين الذين يقضون حياتهم في تطويرها ربما كان سيبتاع لنفسه نسخةً من الويندوز و يريح ذهنه :)
-
بدء مشروع واجهة الـKDE علي يد الطالب الجامعي Matthias Ettrich الذي لم يعحبه حال واجهات الأنظمة شبيهة اليونيكس فأراد أن يصنع الواجهة التي يتمناها لنفسه، من حيث سهولة الاستخدام و قابلية التخصيص و الشكل الجمالي، و أظن أنا أنه قد نجح تماماً فيما يسعي إليه.
إذاً: ما الذي نستنتجه من كل هذا ؟
في نظري فإن أهم عبرةٍ يمكننا أن نستخلصها من كل ما سبق هي ما عرفه و قرره علماء الشريعة الإسلامية منذ القدم و ما لخصوه في القاعدة الأصولية:
قد يدرك المفضول ما لا يدركه الفاضل.
يعني أن الأقل فضلاً و علماً قد يصل إلي ما لا يصل إليه الأكثر علماً و فضلاً ! أو علي الأقل قد يغفل الأكثر علماً عن بعض الأشياء بينما ينتبه إليها الأقل علماً.
و أختم بما ختم به د. أحمد خالد مقاله، حيث كتب: