بقلم: محمد الساحلي*
يمكنك، إذا كنت تستخدم لينوكس، أن تجلس مع أي شخص لا يستخدمه، وتشرح له مميزات لينوكس وكيف أن لينوكس مرن للتخصيص، سريع، آمن، مجاني... إلخ. ثم ستقنعه في الأخير بالانتقال إليه. بل وسيصبح متحمسًا لاستخدام هذا النظام الفريد.
بعد هذه المقدمة، هل تبحثون عن حرف الاستدراك الناسخ؟ إليكم به: لكن هذه الحماسة والقناعة تختفيان فجأة حين يكتشف هذا القادم الجديد بأنه لا وجود أصلا لنظام تشغيل يسمى لينوكس. (ولا حتى لينكس كما يكتب الاسم دائما خطئًا).
قصة البداية: ميلاد نواة
بدأت القصة سنة 1984، حين بدأ المبرمج/الفيلسوف ريتشارد ستالمن مشروعه جنو GNU، وأنشأ منظمة البرمجيات الحرة.
في تلك الأثناء كانت الشركات بدأت تفرض احتكارها على مجال البرمجة وتفرض قيودًا على استخدام برامجها، ونظام اليونكس العتيد ليس حرًا وشراؤه مكلف كثيرا. بدأ ريتشارد مشروعه GNU بهدف إنشاء نظام تشغيل حر لا يفرض أي قيود على المستخدم (ولا المبرمج) ويعمل على جميع الأجهزة.
أولا برمج ريتشارد المحرر النصي الشهير EMACS (في الحقيقة هو أكثر من مجرد محرر نصي!). ثم جاء دور المصرف GCC الذي يستطيع التعامل مع دزينة من لغات البرمجة والترجمة إلى جل أنواع المعالجات. وأتبعهما ببرامج أخرى كثيرة لتقوم بباقي المهام التي يجب أن يقوم بها نظام التشغيل.
لم يكن ينقص سوى (النواة Kernel) التي عليها التنسيق بين هذه البرامج والعتاد. كان لمشروع GNU مشروع نواة سميت Hurd، لكنها لم تنجز في الوقت المناسب لأسباب تقنية وإدارية.
في تلك الأثناء، وعلى الجانب الآخر من المحيط، كان الشاب الفنلندي لينوس تروفالدس (لاحظو أن اسمه لينوس وليس لينس) يفكر هو الآخر في نظام تشغيل بديل عن اليونكس يصلح للعمل على الأجهزة الشخصية، فأسفرت جهوده سنة 1991 عن نظام تشغيل سماه Linux وطرحه بشكل حر ليساهم مبرمجون من كل العالم في تطويره.
لو أردتم الدقة، لم يكن ما برمجه لينوس نظام تشغيل بالمعنى المتعارف عليه حاليًا، بل كان فقط نواة نظام التشغيل. هذه النواة كانت الجزء الذي ينقص فريق GNU لبناء نظام تشغيل حر، فتم تجميع برامجهم الحرة على النواة التي برمجها لينوس وحصلوا في النهاية على نظام يسميه مؤسس جنو بـ GNU/Linux، وهي التسمية السليمة لما نعرفه حاليًا بأنظمة لينوكس.
التوزيعات والاختيار المستحيل
لو شئنا مزيدا من الدقة، جنو/لينوكس هو هيكل عام لنظام تشغيل، أكثر منه نظام تشغيل متكامل. ونظرا للطبيعة الحرة لهذا الهيكل، قام عدد من المبرمجين ببناء أنظمتهم الخاصة على جنو/لينوكس. كل منهم استخدم برامج مختلفة لأداء مهام معينة، مثل: إدارة الملفات، تثبيت البرامج، تنظيم سطح المكتب... إلخ. فحصلنا في الأخير على دزينة من أنظمة جنو/لينوكس، أطلق عليها اسم توزيعات لينوكس.
هل كان وجود هذه التوزيعات المتعددة لصالح جنو/لينوكس؟ للأسف لا.
أهم مبدأ تقوم عليه فلسفة البرامج الحرة هو الحرية في التعديل والتوزيع. أي أن كل مستخدم لديه الحق في تعديل البرنامج الذي يستخدمه ويعيد توزيعه بالشكل الذي يراه مناسبا. الهدف هو توفير مزيد من الخيارات للمستخدمين الآخرين.
لكن من قال بأن تعدد الخيارات أمر صحي؟ كأن الحياة ليست معقدة كفاية لنزيدها تعقيدا. كثرة الخيارات هي مشكلة أيضًا، مثلها مثل انعدام الخيارات. خاصة حين نجد أنه من بين هذه التوزيعات التي يصل عددها إلى المئات، عدد قليل فقط من التوزيعات يمكن اعتبارها رئيسية، لا يصل إلى العشرة، والباقي مجرد تعديلات طفيفة على تلك التوزيعات الرئيسية.
أي أن ما لدينا فعلا، مئات من أنظمة جنو/لينوكس المتشابهة تماما، إلا من اختلافات طفيفة. فكيف إذن سيستطيع الوافد الجديد اختيار توزيعة مناسبة؟
يجب قتل لينوكس
لو بقي الوضع كما هو الآن، فستبقى هيمنة نظام ويندوز كما هي. لكي يتطور لينوكس وينتشر، يجب قتل لينوكس!
حان الوقت لنكف عن الحديث عن نظام تشغيلي اسمه لينوكس، ونقارن بينه وبين ويندوز. لا وجود لنظام تشغيل إسمه لينوكس. ثمة توزيعات رئيسية أصبحت شهيرة، يجب الحديث عنها كأنظمة تشغيل كاملة لها الحق في الوجود باسمها، وليس بصفة توزيعة معطوفة على جنو/لينوكس. بل إن نظام دبيان لم يعد بإمكاننا تسميته توزيعة لينوكس، شئنا أم أبينا، بعد أن بدأ في إصداره الأخير يستخدم نواة BSD أيضًا، وليس فقط نواة لينوكس.
نظام أبونتو بدأ يفرض نفسه بقوة، وخلفه تقف شركة تسوق له بشكل جيد. هذا نموذج جيد لما يجب أن تصبح عليه التوزيعات الأخرى. لا ينقص الآن سوى أن نتعامل مع أوبنتو كنظام تشغيل وليس كتوزيعة لهيكل نظام تشغيل.
لو أردت الآن نصح صديق بترك ويندوز والانتقال إلى لينوكس، لا تتحدث عن لينوكس ولا عن قوته. بل تحدث عن أوبنتو، فقط أوبنتو (أو توزيعة رئيسية أخرى). ولا يجب أن يعلم صديقك حتى بوجود شيء يسمى لينوكس، في تلك المرحلة. لاحقا يمكنه أن يقرأ تاريخ أوبنتو وسوف يعرف تلقائيا قصة جنو/لينوكس.
إذن، فلنقتل لينوكس، لأجل لينوكس.
*محمد الساحلي : أول مدون عربي يتفرغ بشكل كامل لممارسة التدوين الاحترافي كمهنة. مؤسس ومدير مسابقة أرابيسك لأفضل المدونات العربية. مؤلف كتاب (ألفباء التدوين)، الكتاب الأول من نوعه عربيا، وكاتب مشارك في كتاب ”مستقبل الويب“ الصادر عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سنة 2009. مهتم بالتدوين، الإعلام الاجتماعي، التسويق، تطوير مواقع ويب وإدارة المواقع الاجتماعية.