الشبكات الاجتماعية قاتلة المنتديات و مفجرة الثورات

نشره يحيى محمد وليد في

مقدمة

هذه المقالة ليست دراسة أو بحث ، و إن آمل أن تكون مقدمة لبحث ما ، هذه المقالة عبارة عن مجموعة آراء شخصية و اقتباسات باتجاه نقد و دراسة تأثر الشبكات الاجتماعية على منحى الانترنيت و انعكاسها على الأفراد .



بداية أود أن أنطلق من تعريف الشبكة الاجتماعية و لا بد أنه عندما نقول شبكة اجتماعية سيخطر لنا فوراً الفيسبوك و التويتر و استخداماتهما في أذهاننا، و مع ذلك أحب أن أورد تعريف بسيط ، و سأورد أيضاً تعريف المنتديات كونها كانت هي الرائدة في المرحلة ما قبل الشبكات الاجتماعية .


المنتدى : هو موقع مناقشة أونلاين ، حيث فيه الناس يمكن أن تتناقش في مواضيع و رسائل مضافة [المصدر:vbulletin] .
الشبكة الاجتماعية : هي بنية اجتماعية تتألف من مجموعة مستخدمين ( أفراد أو منظمات ) و هذه الشبكة تصل بينهم [wikipedia] .


و قبل الخوض أكثر أحب أن أنوه أنه هذا الموضوع بحث كبير جداً و أكيد هو الشغل الشاغل لعلماء النفس و التربية حول العالم ، و أنا هنا أتكلم كناقد استخدم هذه التقنيات ، و أحاول إبراز أفكار اجتماعية علمية إنتاجية حولها فقط ، و الموضوع معقد و له أبعاده التاريخية أيضاً بما يخص الشبكات الاجتماعية ، و لكن هذا كله لا يهمني ، ما يهمني هو ما على أرض الواقع الآن .


البداية


في المقدمة التي سبقت لاحظنا الفرق بين المنتدى و الشبكة الاجتماعية و هما تعريفان إلى حد كبير منصفين و كافيين للبدء في الكلام .
كلنا نعلم أن الانترنيت عندما بدء بالظهور كان جامداً و عبارة عن عرض لصفحات قابلة للنفاذ العالمي ، و كانت طرق التواصل ضعيفة جداً و غير مدعومة مثل البريد الإلكتروني ، و لم يكن للزوار و المستخدمين أي دور في المواقع ، و مع تطور الانترنيت ظهر مفهوم الويب 2.0 و هو باختصار أدخل مفاهيم الديمقراطية إلى الانترنيت ، فأتاح التفاعل مع المحتوى في المواقع مثل : التقييم و التعديل و التعليق ، و هذه سمات بارزة نجدها في نظام مثل نظام المدونات ، و ظهرت المنتديات ، ولا أقصد هنا من الناحية الزمنية و لكن أقصد مستوى الانتشار و خاصة في الوطن العربي، فتاريخياً بدء ظهور المنتديات في عام 1994 [wikipedia] و مفهوم الويب 2.0 في عام 1999 [wikipedia] .


شهدت المنتديات العربية فترة ازدهار امتدت حتى بداية 2011 أو أقل بقليل، وهذا حسب مشاهدات شخصية ، و خلال نهايات هذه الفترة بدأت ألاحظ انخفاضاً في شعبية المنتديات ، و صار صيت الشبكات الاجتماعية و خاصة الفيسبوك و تويتر ذائعاً بين الشباب و أصبحت معظم حياتهم و اهتماماتهم عليهما ، و كنت وقتها لازلت في عالم المنتديات و مراقباً للشبكات الاجتماعية ، التي لم أدخل لها حتى منتصف 2011 رفضاً مني لان أكون جزء من شبكات سمعت عن آثارها السلبية كثيراً .

و بالفعل قضيت في تلك الفترة الذهبية أوقات جميلة و مفيدة و هي أجمل مما أقضيه الآن في الشبكات الاجتماعية صراحة ، وذلك بعد أن اضطررت للدخول لعالمهم لما رأيت من وجود كل أصدقائي هناك ، و لاني خفت أن أضيع خيراً كثيراً و هذا ما نصحني به أحد الإخوة ، و بالنهاية استقر بنا الحال أن تغولت الشبكات الاجتماعية بشكل هائل في مجتمعاتنا و أصبحت هي الرقم واحد للتواصل الاجتماعي بعد أن كانت المنتديات هي الرقم واحد في يوم من الأيام .

كيف حدث هذا؟

في هذه الفقرة سأبرز كيف تغولت هذه الشبكات في عالمنا العربي و كيف جابهتها النخب و ماذا حدث بعد تغولها .


قادت ديمقراطيات الغرب و نمط حياتهم المفتوح (من ناحية الحرية أقصد و ليس من النواحي السلبية) الكثير من المجتمعات العربية أو أثرت فيها لحد بعيد جداً لعوامل عدة لسنا بصدد مناقشتها الآن(و الأكيد هي فقط كانت إحياء لمبادئ الحرية التي رسخها ديننا الحيف ) ، و ما الفيسبوك إلا وليد حاجة اجتماعية لديهم و بالتالي لا بد أن يصطبغ بأفكارهم و لو قليلاً ، و هنا جوبه بالرفض من قبل من يُسمون "النخبة المثقفة" أو بعض المخلصين من المربين و المصلحين (و إن كان ذلك بنية صالحة) ، و لكن الذي حصل أن الشباب استمر بالاتجاه نحو الشبكات الاجتماعية أو الفيسبوك تحديداً و التي هي بالنهاية تجسيد إلكتروني لحاجات اجتماعية بالفعل ، و هي لا تخص مجتمع بعينه فكلنا بالنهاية كائنات اجتماعية .


من هنا حدث شرخ بين المثقفين و النخبة و الشباب العفوي في الفيسبوك و كثيراً ما اتُهم هذا الشباب بالتفريط و الانحلال الخلقي لاستخدامهم الشبكات الاجتماعية و كان ذلك لجهل المثقفين بها في الواقع ، لأنهم سرعان ما أصبحت لهم حسابات فيها ، و سرعان ما تراجعوا عن اتهاماتهم بعد الثورات العربية و خاصة أن هذا الشباب " المفرّط !! " حقق ما لم تحققه هذه النخب من خلال أفكارهم النظرية المنفصلة عن الواقع بكثير من الأحيان و التي لم تواكب الشباب للأسف الشديد ، و هنا يجب أن أوضح أمرين :
1- أنا لا أتكلم عن تنافس بين الجيلين على الأخلاق فهي ليست حكر على جيل معين و إنما هي إرث بشري نتناقله جيلاً بعد جيل .
2- الجهود الثورية التي قام بها " المناضلون الحق الأوائل" هي التي أوصلتنا بعد توفيق الله إلى نجاح الثورات في عالمنا العربي ، على الصعيد الاجتماعي على الأقل .
و هنا أعود لربط الكلام عن طريق مقارنة السابق مع سبب قضاء الشبكات الاجتماعية على المنتديات أو على الأقل أخذ مجدها .


السبب في ذلك باعتقادي أن المجتمعات العربية رويداً رويداً أخذت ترفض البنى  المركزية و الإملاءات دون أي نوع من الشورى أو سماع أصواتهم كما كانت تلاحظ في نفس الوقت روعة الحرية و حرية الأعمال التطوعية (التي مُنعت في عديد من دولنا في زمن الطغيان و الفساد و هذا سبب إضافي دفع نحو الفضاء الافتراضي) و انعكاسها الاجتماعي المهم على بناء المجتمعات في الغرب ، و كان أكثر من يلاحظ ذلك هم فئة الشباب الذين احتكوا بهذه الاخبار من خلال شبكات التواصل الاجتماعي ، الأداة الإعلامية الكبيرة .


 من هذه العوامل و عوامل أخرى مساعدة انطلقت الثورات ، و التي كانت الشبكات الاجتماعية إحدى أدواتها الرئيسية ، و التي هي لامركزية بطبيعتها ، و هذا أطفى صبغة على الثورات أنها لا مركزية خاصة في مصر و تونس ، و قد أدارت هذه الشبكات دوراً إعلامياً رائداً خاصة في سوريا في ما يسمى التنسيقيات . و لو أنك سألت من زعيم ثورة تونس أو مصر أو ليبيا أو اليمين أو سوريا ، فإنه لن يجيبك أحد لأنها ثورات لا مركزية .


إذاً انتشرت الشبكات الاجتماعية في عالمنا العربي و معها مفهوم اللامركزية ، و لم يعد مقبولاً من قبل المعظم و خاصة الشباب البنى و النماذج المهيكلة المفروضة فرضاً على الشعوب  ،و مما ورد سابقاً كله ، أجد  تفسير و لو غريب شيئاً ما بفسر طغيان الشبكات الاجتماعية على المنتديات . فالمنتديات  ببنيتها هي هرمية و مركزية سواءً على المستوى التنظيمي(أعضاء-مجموعات-أقسام) أو الإداري(مشرفي أقسام - مدراء - مشرفين عاميين "معينين" ) بعكس البنية المفتوحة للشبكات الاجتماعية . على كل الأحوال  قد يكون السبب أبسط من أن يفسر و قد يكون في تطور البشري الطبيعي لا أكثر ،  و بالفعل اطلعت على نقاشات عفوية تفسر هذا الأمر بالتحديد آمل أن تطلعوا عليها (نقاش عربي - نقاش عربي آخر - نقاش أجنبي).
و الآن هل هذا يعني أن الشبكات الاجتماعية هي المارد السحري ... لا أبداً أكمل المقالة لتعلم أين الخلل .

الشبكات الاجتماعية أسوأ ماحصل لمفاهيم الانتاج


صحيح أني أقِرُّ أن الشبكات مثل الفيسبوك ، ليست مركزية و تعطي مساحات واسعة للحرية و أنها حققت وسائل تغيير كبيرة مثل الربيع العربي ، إلا أنها على مستوى الإنتاج العملي ( غير الجانب الاجتماعي) أداة رخوة جداً و مشتتة بمفهومها و أدواتها و أكبر مثال على ذلك فيها المجموعات ، التي لم تُهيأ لحوارات مركزة فيها مساحة لطرح آراء الجميع ، لصعوبة تحمل ذلك عبر الأدواة البدائية التي فيها و هي غير مؤرشفة و غير قابلة لإعادة الاستخدام، و بالمقابل كانت المنتديات بالفعل مكان مناسب و هادئ للحوارات العلمية الهادفة و المركزة و المؤرشفة و هذا أظن بشهادة الجميع .


ما أقصده بالتحديد أنه الشبكات الاجتماعية جذبت الناس من الاماكن التي كانوا فيها ، لما فيها من ميزات اجتماعية ، ولعلمها بأننا كلنا كائنات تحب التواصل مع بعض بأبسط الطرق الممكنة في ذلك ، و قد نجحت في ذلك ، و أخذت من وقتنا الكثير جداً ، مما أدى في النهاية  لاستغنائنا عن المنتديات و أدواة الإنتاج القديمة ، و لكن بنفس الوقت هي لم توفر بديل مناسب أبداً للإنتاج الموازي للمنتديات .

ليست النهاية!


بالرغم من هذا الشرخ الإنتاجي الذي حصل في الفيسبوك برز مفهوم " الأسئلة و الأجوبة " المسماة Q&A و هي تعديل ربما لواقع المنتديات ، فهي برمجية لا مركزية قيمة العضو فيها من خلال سمعته التي يكسبها من خلال مشاركاته و عليه لا يصل للإدارة إلا الأشخاص المستحقين و المنتخبين ، و لكن تُركت الخواص الاجتماعية فيها و بقيت ساحة فقط للالتقاء الخبرات و هذا ما يميزها عن المنتديات (الديمقراطية - اللاجتماعية) (لا تكتفي بوصفي اذهب و زور هذا الموقع لتندهشوا بطريقة العمل الرائعة) .


ما الحل ؟


إن ما طرح سابقاً هو مشكلة ، فحتى منتديات الأسئلة و الأجوبة Q&A  التي تركت الخصائص الاجتماعية ، هي لن تُرداد  إلا عند الحاجة فقط و لن تكون موطن للإبداع و التعاون العميق ، و في نفس الوقت ستظل الشبكة الاجتماعية بشكلها الحالي كما يقال " بلوعة للمحتوى و الوقت " للأنجزاب لها و لخصائصها الاجتماعية أكثر  .
و الحل برأيي هو تعديل طريقة عمل هذه الشبكات التي يجب أن تحافظ على خصائصها الاجتماعية و أن تُربط فيها مفاهيم الانتاج و التعاون لإنجاز المشاريع ، كما كان تقام مشاريع في المنتديات سابقاً بطريقة بدائية جداً ، و البعض ذهب أبعد من ذلك و قال

اعتقد أن الفيسبوك وصل إلى آخر مرحلة وصلت إليها المنتديات قبيل انقراضها.
يجب أن نجد بديلاً جيداً بينما نصنع شبكتنا العجيب


و لكن الحمد لله هناك أشخاص فكروا بالمشكلة و بدأؤوا بحل مثل هذه المشاكل و كان أولى الحلول : الآلات الاجتماعية ، و التي كانت منطلقاً لفكرة مشروع الشبكة اجتماعية الغريبة !! و يسمى micrcommunity و التي بالفعل لو نجحت ستحل هذه المشكلة إن شاء الله فهي ستكون :
ويكي و منتدى أسئلة و أجوبة و شبكة اجتماعية و تتبنى آلية السمعة (التي تحدثنا عنها في Q&A ) و هي لا مركزية و فيها كل الأدواة المتعلقة بالإنتاج و ستحقق التكامل مع باقي المواقع و أهم شيء أنه كل ذلك بطريقة اجتماعية و ليست جافة منفصلة .

أدعوكم لأن تتعرفوا أكثر على هذا المشروع العربي (نعم العربي!! ) من خلال تواصلكم مع أصحاب الفكرة في مجموعتهم و سؤالهم أكثر على هذا المشروع الرائع و الذي أنجزت نواته و مازال المطورون يعملوا عليه بشكل تعاوني مفتوح المصدر و هم أكيد بانتظاركم لو أردتم المساعدة من خلال مجموعة مجتمع تطوير هذه الفكرة على الفيسبوك  و بالمناسبة المشروع  لديه مستودع على الموقع الشهير github و لديهم موقع أساسي أيضاً للمجتمع .

و بالنهاية أقول : أود بالفعل لو كان بالعمر بقية أن أكتب مقالة رديفة ستكون جزء ثاني إن شاء الله أتحدث فيها عن أضرار الشبكات الاجتماعية و سبل الانسجام فيها دون التأثير على باقي جوانب حياتنا و هذا ما أنا أعاني منه أحياناً و لكن في فعل الخير إن شاء الله :) ، و سأسر جداً بنقدكم و تعليقاتكم على المقالة الحالية و السلام عليكم و رحمة الله .