بعيدا عن التغطيات الرسمية للندوة من هيئة تقنية المعلومات وجريد عمان الرسمية، سأحاول أن أكتب عن الندوة التي نشرنا عنها سابقا هنا في وادي التقنية بشكل تلخيصي شخصي ( باسمي فهد السعيدي ) وذلك ما يطمح إليه الكثير من الزوار والأصدقاء.
في البداية تأخرت عن افتتاح الندوة لمدة ساعة تقريبا بسبب الزحمة غير المتوقعة التي حدثت بالأمس، حيث أني لا أسكن بالعاصمة مسقط لذى حاولت قدر المستطاع أن أحضر في بداية افتتاح الندوة ولكني لم أتمكن من ذلك. الحمد الله لم يفتني الكثير، و وصلت أنا و الأستاذ زاهر النوتكي( لمن لا يعرفه فهو ترجم العديد والعديد من المقالات التقنية هنا في وادي التقنية) في بداية محاضرة ريتشارد ستالمان.
ريتشارد ألقى كلمتين الاولى حول فلسفة البرمجيات الحرة والثانية البرمجيات الحرة ما بين الأخلاق والتطبيق، سأحاول أن ألخص أهم النقاط في هاتين الكلمتين:
بدأ ستالمان بنبذة تاريخية حول نشأة البرمجيات الحرة ، و ما الشروط التي يجب أن تتحقق في أي برنامج حتى يصبح حرا وهي أربعة:
الحرية رقم صفر : حرية الاستخدام في أي غرض.
الحرية رقم واحد : حرية توزيع نسخ من البرنامج من دون أي قيد.
الحرية رقم اثنان: حرية الوصول إلى الشفرة المصدرية.
الحرية رقم ثلاثة: حرية المشاركة في التطوير وتوزيع البرنامج المعدل.
وعندما سأل لماذا بدأت من رقم صفر ؟ أجاب هناك شقين للإجابة الأولى أننا كمبرمجين نبدأ من الصفر في البرمجة، ولكن الشق الثاني أكثر أهمية وهو أنه في البداية يهتم بالحريات الثلاث الآخرى ( غير حرية رقم صفر) لأنها معلومة بالبداهة حرية المستخدم في استخدام البرنامج في أي غرض وإلا لما كان يعرف برنامجا بالأساس، لكنه تفاجأ بأن بعض الدول لديها تقييد لحرية استخدام البرنامج فاضطر إلى إضافة حرية رقم صفر وهي أساسية وبدهية في آن واحد.
من بين اعتراضاته هي تسمية نسخ البرمجيات بمسمى " قرصنة البرمجيات " و يقول القرصنة هي قرصنة السفن مثلما يحدث في الصومال وليس هذا البرمجيات. وأن هناك كم كبير من البرامج المغلقة تحوي على برامج تجسسية و أخرى مهمتها هي الحد من حرية المستخدم و بعضها يحوي على أبواب خلفية.
نظام مايكروسوفت ويندوز شهير باحتواءه على أبواب خلفية ويظهر ذلك في ناحيتين:
الأولى: أن مايكروسوفت يمكنها السيطرة على البرمجيات في نظامك والحد من قدرتك على استخدام نظام ويندوز.
الثانية: يوجد باب خلفي مخصص لرجال الأمن والشرطة ، بحيث يمكنكهم الدخول لأي نظام من مايكروسوفت وهذا معروفا بشكل كبير.
الجدير بالذكر أن نظام ويندوز ليس الفريد في هذا المجال، بل هناك العديد من البرامج التجارية المغلقة تتبع نفس الطريق وأشهرها:
- نظام أيفون و نظام IPad من شركة أبل حيث أنه يتحكم بالبرمجيات فقط من خلال سوق برامج أيفون.
- جهاز كندل من شركة أمازون حيث أنه يتجسس على المستخدمين وعلى يفرض سيطرة بشعة للكتب عن طريق DRM.
هذا ويقول ستالمان أن البرامج التجسسية شائعة في البرمجيات المغلقة ولكن ليس كلها وهذا للدقة، ومهما يكن إذا كان وجد مسيطر ، فأنت لا تملك الحرية.
وتطرق أيضا إلى كيفية الاستثمار في البرمجيات الحرة وخصوصا للمؤسسات ، وهذا ينتج بأن تدفع هذه المؤسسات لمطورين لإضافة مميزات جديدة وبالتالي تكون الاستفادة موزعة للمؤسسات و المطورين و المجتمع.
إن البرامج الحرة تجعل المجتمع مجتمعا حرا ومتكافلا ومستقلا ، بينما البرامج المغلقة تجعله مجتمعا اتكاليا و أنانيا بشكل كبير.
وهذا يقودنا إلى نقطة أهمية البرمجيات الحرة في المدراس، حيث أن المدارس عليها مهمة اجتماعية وهي تأهيل الطلاب لأن يكونوا مواطنيين صالحين، وهذا ينتج بنشر فكرة التعاون والتكافل والمساعدة وهو من أهداف الأخلاقية للبرمجيات الحرة.
ولا يقف ستالمان بهذا ولكن يستطرد إلى الفرق ما بين البرمجيات المفتوحة المصدر و البرمجيات الحرة. حيث أن الأولى أخذت بالأساليب التطوير مع طرح و إبعاد القيم الأخلاقية التي تهدف إليها البرمجيات الحرة. وهذا هو الفرق الجوهري: الأسس الأخلاقية، وهو الذي يجب علينا أن نتمسك به وندافع عنه.
في الكلمة التالية وهي البرمجيات الحرة ما بين الأخلاق والتطبيق، استعرض ستالمان مسيرة تطور البرمجيات الحرة منذ بداية الثمانيات إلى الآن، مسهبا كثيرا حول نواة اللينكس و لزوم تسمية النظام الناتج باسم جنو/ لينكس.
ويفسر نقطة تمسكه بهذا المبدأ أن المصطلحات لها تأثير كبير على فهم الناس، وبالتالي إذا سمينا النظام الجديد باسم نظام لينكس فقط فإننا نلغى جهود الالاف المطورين الذين سهروا لكتابة تطبيقات جنو والتي لولاها لما ظهرت نواة اللينكس، إضافة أننا لا نستطيع العمل على نواة اللينكس بشكل مباشر بل يتطلب منا استخدام أدوات جنو.
غير أن النقطة الأساسية هي نقطة إعلامية في المقام الأول حيث أننا إذا روجنا لاسم لينكس وحده فإننا نطمر دور مؤسسة البرمجيات الحرة وأهدافها الأخلاقية ، ونغلب عليها النزعة المادية في البرامج مفتوحة المصدر والتي يشجع إليها مطور اللينكس : لينوس تارفولدز. وهذا ما يرفضه ستالمان بشدة ويجعله يدقق في ألفاظ بل وصل الأمر بأن يطالب بحقوق منظمة البرمجيات الحرة من الشهرة عندما كان محاضر معهد LPI حول شهادات لينكس.
وقبل أن يختتم كلمته أشار أن نواة اللينكس ليست حرة بالكامل لأنها تحوي على جداول رقمية ( blob) تصل إلى الالاف من الأرقام لا يعرف ما هدفها و ما هو مصدرها. منبها أيضا إلى مجتمع جنو لينكس بدأ بفقدان حرياته وخصوصا في توزيعات وذلك باستخدام برمجيات غير حرة والترويج لها كمميزات و استخدام تعاريف غير حرة وخصوصا للعديد من القطع العتادية.
كان يدور بخاطري سؤالين مهمين وهما:
- السؤال الأول: لماذا نسبة جنو لينكس لم تتجازو 1% من سوق الأنظمة؟
و لم يعطني جوابا واضحا ، بل قال أن هذا هو الواقع ولكن يوجد الملايين من المستخدمين لأنظمة جنو/ لينكس حول العالم، وكأنه يريد أن يقول لي ليست العبرة بالكثرة بل الأهمية في المبدأ والحرية.
- السؤال الثاني: نجد أن العديد من الشركات مثل جوجل و أوراكل و سورسفورج تمنع المستخدمين من سوريا والسودان من تنزيل البرمجيات الحرة وهذا ينتاقض مع حرية التوزيع البرمجيات ؟
أجاب بأن هذا لا يناقض رخصة GPL نظريا ، لأنه يمكنك أن توزيع هذه البرمجيات بنفسك إذا رفضت الشركات الأمريكية ذلك. وأثناء الغداء رجعت أناقشه حول هذه النقطة وقال لي بأنه مستاء من هذا التصرف وقد سأل محامي مؤسسة البرمجيات الحرة ما هو الوضع القانوني لهذه القضية وأنه لم يحصل بعد على جواب منه.
بعد ريتشارد ستالمان ، قامت الدكتورة سيرين التليلي مديرة وحدة البرمجيات الحرة في وزارة تكنولوجيات الاتصال بتونس باستعراض التجربة التونسية مع البرمجيات الحرة.
أشارت سيرين بأنه ليس احترام الحقوق الملكية الفكرية كان الهدف لهذا التوجه بل إدخال وتطوير البنية المحلية في مجال المساهمة في قطاع التقنية والمعلومات، وقد ظهر ذلك جليا بتأسيس أكثر من تسعين شركة تقدم حلول البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر في السوق التونسي ، وقد أطلقت الوزارة موقعا خصيصا لهذه المباردة وهو بوابة البرمجيات الحرة في تونس، مع تدشين سوقا افتراضية لعرض منتجات هذه الشركات، لا أريد أن اتحدث المزيد حول المعرض لأن البوابة فيها الكثير والكثير من المعلومات باللغة العربية حول هذه التجربة الناجحة.
بعد ذلك قام الدكتو وليد كرم باستعراض تجربة معبر لدعم البرمجيات الحرة والمفتوحة المصدر في الوطن العربي ، سأترك بوابة معبر للتحدث عن انجازاتها.
ومن ثم قام المهند كفاح عيسى باستعراض أهمية البرمجيات الحرة والمبادرات العربية في هذا المجال وخصوصا بوابة أعجوبة و توزيعة أعجوبة و مكتبة ثواب و رخصة وقف العامة.
خلال هذه الندوة التقيت شخصيا مع الأستاذ عبدالله الوطبان ( أبو حجاج ) وتبادلنا أطراف الحديث ، وكذلك مع المهندس كفاح عيسى ( أستاذ مؤيد لماذا لم تحضر ؟ ) والعديد من الشباب العماني الناشط في مجال البرمجيات الحرة.
في نهاية الندوة وزعت أقراص تحوي على برمجيات حرة تعمل على منصة ويندوز ، والقرص يحوي على مشروع OpenDisk لمن يريد أن ينزله على جهازه.