نشر موقع opensource.com مؤخرا مقالة كتبتها هايدي إليس أستاذة علم الحاسوب في كلية وسترن نيو إنجلند والمهتمة بالمصادر المفتوحة. تناقش المقالة العلاقة بين طلاب علم الحاسوب والمشاريع المفتوحة المصدر، العوائق التي تواجهها وأساليب تطوير هذه العلاقة. تكتب إليس من تجربتها الشخصية من خلال محاولتها دمج المصادر المفتوحة في تعليمها. مل تشو المذكورة في المقالة هي خارقة وعضو في مجلس أمناء شوجر لابز Sugar Labs تقضي وقتا بإرشاد الأساتذة كيفية التعليم عن المصادر المفتوحة.
المقالة نشرت بالأصل برخصة المشاع الإبداعي cc-by-sa ونظرا لأهمية الموضوع قمت بترجمة المقالة للعربية ونشرها هنا بنفس الرخصة.
عليّ أن أبدأ بشكر مل تشو لزيارتنا في كونيتيكت ولحثي على تعميق تفكيري بكيفية تعاون المصادر المفتوحة مع الأكاديميا لتحقيق التعليم. أعتقد أنني أفهم الآن علاقة الطلاب والمشاركة الأكاديمية في مشاريع المصادر المفتوحة.
بالنظرة الأولى، يبدو أن مشاركة الطلاب في مشاريع المصادر المفتوحة أمر سهل التحقيق. طبعا، من وجهة نظر المعلّم هنالك مسائل تتعلق باختيار المشروع، المنحنى التعليمي للمشروع، العثور على مرشد، تشخيص طرق يمكن للطلاب المشاركة فيها، إيجاد وسائل للتقييم، والمزيد. لكن تلك عقبات يمكن اجتيازها.
لكن في السنوات الأخيرة، ظهرت بعض الصخور في النهر مما جعل الإبحار في تيار المشاركة في المصادر المفتوحة أصعب مما بدا في الوهلة الأولى.
عندما تتعاون مجموعتان، فإنهما عادة تقومان بذلك لتحقيق غاية مشتركة أو للعمل معا في سبيل غايات لكلتا المجموعتين. في هذه الحالة، غايات المجموعتين مختلفة. بيئة المصادر المفتوحة تهدف لإنشاء منتج يتوافق وحاجات المستخدم. البيئة الأكاديمية تهدف لتنشئة طلاب بمستوى معرفي ومهاراتي معين. يجب فهم هاتان الغايتان كي ينجح تعاون الأكاديميا والمشاريع مفتوحة المصدر.
تود مجتمعات المصادر المفتوحة أن ترى عددا أكبر من المطورين يساهمون في مشاريعهم (كما أود أنا ذلك). البعض في مجتمع المصادر المفتوحة يرون في الطلاب مصدرا ممكنا للتطوير المستقبلي (يصادف أنني أوافقهم). الأكاديميا ترى في المصادر المفتوحة فرصة لاكتساب الطلاب تجربة حقيقية، يتعلمون المهنية ويحصلون على برهان ما على مهاراتهم البرمجية يمكنهم عرضه على مشغليهم المحتملين. المساهمة تساعد لكنها ليست ضرورية.
هل يمكن لتعاون المصادر المفتوحة والأكاديميا تحقيق غايات المجموعتين؟ أعتقد ذلك، لكن هنالك بعض الاختلافات في البيئتين مما يوفر... حسنا سنسميها "فرصا تعليمية". كي ينجح التعاون على كلتا المجموعتين إدراك هذه الاختلافات.
بينما كنت أحادث مل، اتضح لي مدى اختلاف البيئتين في مجالات الإيقاع، التخطيط والقيود. نهج المصادر المفتوحة انتهازي وغاية في المرونة، بينما نهج الأكاديميا مخطط ومقولب. يركّز نهج المصادر المفتوحة على التحسينات قصيرة الأمد واستغلال الموارد (مثلا خبرة المطورين، الوقت والتمويل). الموارد قد تظهر وقد تتتلاشى بسرعة نسبيا في بيئة المصادر المفتوحة. بسبب الطبيعة المائعة للموارد والمشاركين، من الصعب تقدير نتائج التخطيط طويل الأمد (لسنة أو أكثر). ليس قصدي القول أن مشاريع المصادر المفتوحة تفتقر التخطيط طويل الأمد، لكن سيرورة التطوير مرنة بما فيه الكفاية لتسمح للمشروع بتغيير مساره أو غاياته عندما تظهر فرص جديدة.
الأكاديميا مبنية حول مفهوم التحسين طويل الأمد والموارد المتاحة لفترة كافية. يملك الأكاديميون مجموعة موارد ثابتة (على سبيل المثال: الوقت، المعلمون، الطلاب) لا تتغير إلا قليلا في المدى البعيد (عدة سنوات حتى سنوات كثيرة). بالإضافة إلى ذلك، يتخلل عمل الأكاديميون مجموعة من القيود. يقيد الموارد الأكاديمية الوقت المحدد، مثل مواعيد الفصول الدراسية والساعات التعليمية. إنهم مقيدون --ملزمون-- بمنهاج، حصيلة التعليم والتقييم. مثل هذه الأمور لا يمكن تغييرها خلال فترة ثلاثة إلى أربعة أشهر وأحيانا لا يمكن تغييرها خلال سنة. مما يحد من قدرة الأكاديميا باستغلال إيجابيات الفرص التي تظهر بشكل عفوي في المصادر المفتوحة.
إيقاع البيئتين مختلف أيضا. بيئة المصادر المفتوحة تميل للإيقاع السريع مع صعوبة بتوقعه بسبب نمط مجهود متقطع حسب توفر وقت المساهمين. الأكاديميا أبطأ إيقاعا (قد يقول البعض أقرب للجمود) مع إمكانية توقع أعلى.
جدول المواعيد الأكاديمي يمكن توقعه بالتأكيد. مواعيد الدورات تحدد ستة حتى ثمانية شهور قبل بدء الفصل. بالإضافة إلى ذلك، خطط المنهاج تشمل كل أربع السنين التي يقضيها الطالب في المعهد. لذلك، يجب توفير دورات تلائم المنهاج المتبع وقت دخول الطالب المعهد. بالإضافة إلى ذلك، التغييرات في المنهاج عادة تنفذ على مراحل كل أربع سنوات.
من الواضح وجود اختلاف كبيرة في الثقافة. لكنني أعتقد بإمكانية نجاح التعاون بين حقلَيْ المصادر المفتوحة والأكاديميا، لوجود وجوه شبه قوية بين المجموعتين. تشترك بيئتي المصادر المفتوحة والأكاديميا في إرادة إنشاء شيء ما، إنتاج منتج يستخدمه الناس. كلتا المجموعتين تملكان حبا للتعلم وكلتا المجموعتين تعتمدان على الفكرة أن أمرا ما (قد يكون المعرفة أو البرمجيات) يجب أن يكون متاحا للجميع. لكلتا المجموعتين إرادة للانتماء لمجموعة مهنية، أن تتواصلا كمهنيين وتشتركان في فعالية مهنية متواصلة. وبرأيي كلتا المجموعتين تتشاركان بإرادتهما للتسيير الذاتي والتحكم بما يقومون به.
إذن، ماذا تعلمت أيضا بصفتي أستاذة تحاول دفع المزيد من طلابها إلى المشاركة في المصادر المفتوحة؟ الكثير!
المشاركة في المصادر المفتوحة تفيد الطلاب دون أدنى شك. لقد شاهدت طلابا يكتسبون معرفة وخبرة مهنيتين لا تقدران بثمن، مهارات متنامية وتشكيل علاقات مهنية من خلال المشاركة في المصادر المفتوحة. العديد من الطلاب يتحفزون للمشاركة في مشاريع المصادر المفتوحة بشكل يختلف كليا عن حوافز مشاركتهم في دورة تقليدية. إنهم يدركون بشكل أفضل أهمية الأمور التي قد تبدو غريبة حين يتعلمونها في الدورات.
وضع توقعات هو أمر مهم. التوقعات مهمة --للطلاب ومجتمع المصادر المفتوحة على حد السواء. الاختلاف الثقافي الذي حددته أعلاه مهم لفهم كلتا المجموعتين وكيفية دعم تعاون ناجح. الطرق العملية وأساليب المشاركة في المشروع قد تختلف جدا بين وجهتي نظر المصادر المفتوحة والأكاديميا.
بإمكاني أن أكون أكثر انتهازية. توجهي المفضل هو تخطيط الأمور على أفضل وجه مقدما. محادثة مل جعلتني أدرك أن العديد من الفرص تحصل بشكل عفوي. بقليل من الجهد، يمكن استغلال هذه الفرص إن كنت مستعدا لتحوير - أو هجرة - مخططك.
على سبيل المثال، خلال إنذار يومين، قمنا مل وأنا بتحضير تشارك خرق Hack Share دعونا فيه سباستان دزيالاس ليأت ويخترق (شخصيا وبشكل مباشر) ويعلم الطلاب كيف يحزمون التطبيقات. لم أكن لأحاول ذلك لوحدي، هذا على فرض أنه علي الإعلان، الحصول على موارد، توفير موقع - كل التفاصيل. مع ذلك، حظت محاضرة سباستيان بحضور جيد ونجاح ضخم على نطاق صغير.
هل كان باستطاعتي زيادة الحضور؟ طبعا! لكن ليس في نافذة الفرص المتاحة لي. خلال وقت تخطيط قصير، تشارك الخرق Hack Share لم يصل سوى لعدد صغير من الناس. لكن لو رفضت المحاولة بسبب فورية الفرصة، فمن المحتمل أن الحدث لم يكن ليحصل أبدًا. التسوية هنا هي الوصول إلى عدد أقل من المشتركين لكن مقابل عدد تجارب أكبر. محادثاتي مع مل -والنجاح الذي لاقيناه بهذا الحدث الذي نُفذ على عجل- شجعاني على انتهاز الفرص التي أصادفها.
على الأكاديميا التأكد من رد الجميل لمجتمع المصادر المفتوحة. أحد المخاطر الحقيقية في مشاركة الطلاب في تطوير البرمجيات مفتوحة المصدر هي أن الطلاب يتعلمون من المجتمع، يكسبون من المجتمع ثم لا يساهمون بشيء للمجتمع. هذا خرق لنهج المصادر المفتوحة ويمكن بسهولة أن يفصم التعاون بين المصادر المفتوحة والأكاديميا. بحسب رأيي، العبئ يقع على كاهل الأساتذة كي يجدوا أساليب لتوفير مساهمات قيمة لمجتمع المصادر المفتوحة. ليس على هذه المساهمات بالضرورة أن تكون بشكل كود، ويمكنها بسهولة اتخاذ شكل التوثيق، العناية بالويكي أو أي مهام أخرى يحتاجها المجتمع.
أعتقد بأن مجهودنا بدفع طلابنا إلى المشاركة بمشاريع المصادر المفتوحة سوف يسدد نفسه في الأمد الطويل. قد تمضي عدة سنوات قبل أن جني هذه الفوائد. أقول هذا لعدة أسباب. أولا، أغلب الطلاب يركزون اهتمامهم على الشهادة ثم الحصول على وظيفة. هؤلاء أشخاص يقومون (بحق) بصرف معظم طاقتهم على مهنتهم. هذا يعني أنه لحوالي سنة (وربما أكثر) بعد التخرج، لن يملك هؤلاء الأشخاص وقتا ليساهموا بالمشاريع مفتوحة المصدر.
ثانيا، أعتقد أن الطلاب سوف يحملون راية المصادر المفتوحة، لكن سوف يستغرق وقتا لهذه الفكرة حتى تشيع. تذكروا أن الطلاب ليسوا محترفين ولا يزالون يتعلمون كيفية المشاركة المفتوحة، بالإضافة إلى المواد الأخرى في كل صفوفهم. لديهم بشكل عام وقت دخول أطول بكثير من مطور ذي خبرة.
أخيرا، الأكاديميا تتقدم بإيقاع الحلزون مقارنة بعالم المصادر المفتوحة. سيستغرق الأساتذة وقت حتى يدركوا الفرص المتاحة -والواجبات الاجتماعية التي تطرحها- في مشاركة الطلاب في المصادر المفتوحة. وسوف يستغرقهم وقتا أطول من ذلك أن يغيروا صفوفهم كي تشمل المصادر المفتوحة؛ وأطول من ذلك لدمج المصادر المفتوحة في المنهاج التعليمي.
لهذه الملاحظات أبعاد إيجابية وسلبية على مجتمع المصادر المفتوحة. البشرى السيئة هي أنه ليس من المرجح رؤية سيل عارم من مطورين جدد للبرمجيات المفتوحة المصدر -خريجي جامعات يألفون نهج المصادر المفتوحة- في القريب العاجل. زد على ذلك أن عدد طلاب علم الحاسوب لم يسترد الأعداد التي فقدها منذ بداية الألفية.
البشرى الجيدة هي وجود سيل هزيل من أولئك المطورين خريجي الجامعات وأن التيار سيستمر بالازدياد لسنوات طويلة. أملي أن يكبر التيار مع انتشار الفكرة وتبني مزيد من الأساتذة توجهات لدفع الطلاب للمشاركة بمشاريع مفتوحة المصدر.
هل من ميزة مهمة في مجهودنا لجعل المصادر المفتوحة أكثر انتشارا في الحرم الجامعي؟ الوعي آخذ بالنمو للمصادر المفتوحة سواء لدى طلاب علم الحاسوب وما عداهم. الطلاب متحمسون للمشاركة في المصادر المفتوحة، بغض النظر عن كيفية تعرفهم عليها. كلي أمل أن يتأجج هذا الحماس في الأكاديميا داخل الصفوف وخارجها.