عادات المُدّوِّن الجيد

نشره م. وائل حسن -أ… في

هناك بعض العادات التي أري أنها ستفيدك كثيراً إذا أردت أن تكون مدوناً جيداً، منها:

  • لا تهتم بعدد الزيارات أو عدد التعليقات مهما كانا صغيرين؛ ففي النهاية أنت لا تهدف من وراء التدوين إلي الشهرة (أليس كذلك ؟)، و ما دامت الأمور هكذا فيجب أن تُحرر نفسك من الخوف المرضي من قلة الزوار و قلة التعليقات.
    الأهم هو أن تُزَكِّي عن علمك ليس إلا، و ما دمت لست مسؤولاً عن الأمة كلها ثقافياً فلا تُحمِّل نفسك هماً لا تستطيع حمله، و قُل ما تُجيده و تعلمه و لا تَعْدُ قدرك، و صدقني ففي هذا خير الدنيا و الآخرة.
    و بالمناسبة فقد رأيتُ مدوناتٍ لها عدد متصفحين (بل و مشتركين) كبيرٌ جداً بينما التعليقات لا تقارن بمقدار القراءة بتاتاً ! و يبدو أن هذه آفةٌ في العقل العربي (هل أقول الإسلامي كذلك ؟).
  • احتفظ برؤوس أقلامٍ لكل فكرةٍ جيدةٍ يمكنك أن تكتب عنها في مدونتك، و حتي لو لم يكن جاهزاً في عقلك إلا بضعة أسطر، بل حتي لو لم يكن هناك إلا العنوان فقط !
    لأنك حينما تتصفح مُسودات المقالات التي لم تكتمل علي المدونة سيكون هناك أساسٌ جاهزٌ للمقالة الجديدة، بدلاً من البحث عن موضوعٍ ما للكتابة عنه.
    و أنا أحتفظ في مدونتي الشخصية بما يزيد علي العشرين مسودةً حتي الآن، كتبتها في أوقاتٍ متفرقة و أقوم بالكتابة فيها بين الحين و الآخر متي ما وُفقتُ إلي ذلك و كان لدي ما أقوله في موضوعها. و هذه المقالة نفسها بدأتُ كتابتها منذ فترةٍ و أكملتها قبل نشرها مباشرةً.
  • لا تكتب إلا ما تقتنع به تمام الاقتناع، و لا تقتنع إلا بما هو مثبتٌ بالدليل و البرهان. فقد قال الله تعالي (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) فثبت أنه لا صدق إلا ببرهان.
    و اعلم أن آفة الرأي الهوي، فعليك بالابتعاد عن الانحيازات المسبقة و تقبل ما يوصلك إليه الدليل و البرهان أياً كان.
  • تقبل النقد و المراجعة بصدرٍ رحب، و هذا فرعٌ من النقطة السابقة؛ فالاقتناع كلٌ لا يتجزأ و لا يُقبل أن تسير خلف البراهين في بداية الأمر ثم تخالف البراهين الأصح و الأقوي التي تثبت خطأ نظرتك فيما بعد !
  • تقبلك للنقد لا ينطبق فقط علي ما قيل لك بأسلوبٍ مهذب، بل يجب أن تتقبل كل النقد حتي لو قيل وسط السباب و التهكم، و يمكنك بالطبع أن تمتنع بعد ذلك من الإنصات لذلك الشخص الذي وجه إليك تلك الإهانات، و لكن المهم ألا تُفلت تلك الانتقادات و ألا تغض طرفك عنها و تهملها، فالخاسر الوحيد في هذه الحالة هو أنت.
    و قد فعلتُ هذا من قبل، فقد نُصحت بما هو صحيحٌ في حد ذاته و لكن أسلوب النصح كان سيئاً للغاية، و حاولت جاهداً نسيانه إلا أن كلمتان اثنتان منه ظلتا تنغصان عليَّ حياتي و لم أستطع نسيانهما قط. لذا فكل ما فعلته ببساطةٍ أنني أصلحت ما انتقده الناقد عندي ثم حذفت كل المراسلات التي تمت بيني و بينه و أزمعت ألا أناقشه بعدها مطلقاً (في النهاية ليس هو الوحيد الذي يمكنه إفادتي لأضطر إلي تحمله اضطراراً).
  • صَحِّحْ أقوالك التي اقتنعت بخطئها و نبه الناس إلي ذلك؛ فأقوالك بعضٌ من عملك، و عملك السيء لا يصلحه إلا عملك الصالح.و بما أنك كنت مسئولاً عن جعل الناس تتبني وجهة نظرٍ معينة، فيجب أن تبين لهم خطأها بعدما تحولت عنها إلي وجهة نظرٍ أخري كجزءٍ من الأمانة الفكرية.
  • حاول أن تبتعد في نقدك عن شخصنة الأمور، و اجعل كلامك قدر الإمكان سيراً علي الهدي النبوي بمبدأ (ما بال أقوام). فيمكن للناس أن تتقبل النقد مهما كان صعباً إذا لم يكن مرتبطاً بانتقاد أشخاصهم، فحينها سيتحول الأمر إلي كرامةٍ مُهدرة، و حتي لو كان من تنتقده علي قدرٍ كبيرٍ من التعادل الفكري بحيث يقبل نقدك و يصحح ما انتقدته إن كنت مصيباً، فكرامته ستجعله يكف عن التواصل معك رغم اقتناعه بما قُلت.
  • سَوِّق مقالاتك جيداً، و يمكنك أن تستغل شبكات التواصل الاجتماعي بشكلٍ واسعٍ في هذا الأمر. و عن نفسي فحينما أكتب مقالةً ما فإنني أقوم بنشر رابطها علي twitter، أما علي الـfacebook فأقوم بنشره علي:
    - صفحتي الشخصية.
    - صفحة المدونة.
    - ما يصلح النشر فيه من أكثر من تسعين مجموعةٍ ضمني إليها أصدقائي علي الـfacebook !.
  • حافظ دوماً علي التواصل الجيد مع القراء؛ فليس من اللائق أن يُعَلِّق أحدهم ثم ينتظر ردك علي تعليقه فيفاجأ بإهمالك له تماماً ! فحتي إن كنت صاحب عذرٍ فإن من حق القارئ الذي قرأ لك و عَلَّق أن ترد عليه إن سألك أو فتح ساحةً للنقاش تثري الموضوع الأصلي، و علي الأقل يمكنك الرد بكلماتٍ قليلة ترفع عنك شبهة التعالي.
    و كم من مدونةٍ كنتُ أتابعها لاحظت أن أصحابها يتعاملون مع القارئ كأنه مصبٌ ليس إلا فتركتهم إلي غيرهم ممن يحبون التفاعل و التواصل، و تذكر أن البدائل كثيرةٌ جداً هذه الأيام فلا تغتر بنفسك و علمك مهما زادا.
  • حافظ علي الكتابة بلغةٍ سليمةٍ و علي استخدام علامات الترقيم و التشكيل في الأماكن التي تحتاج إليهما فيها؛ فهذا يزيد من وضوح الفكرة بما لا يُقاس، و كذا فهو يعطي موضوعك طابعاً رصينا.
  • حاول البعد عن التقعر في اللغة، و اعلم أنه كلما زاد إتقانك للغة العربية و علومها و زادت بلاغتك: فسيكون كلامك أكثر بساطةً و أقل تكلفاً. و قد قال عبد الله بن المقفع رحمة الله عليه عن هذا الأمر:
    البلاغة هي التي إذا سمعها الجاهل ظن أنه يُحسن مثلها.
    و ضع حديث رسول الله صلي الله عليه و سلم نصب عينيك؛ فستجده قمةً في البلاغة والفصاحة و في نفس الوقت قمةً في البساطة (و تذكر أن هذا الكلام الذي يفهمه البسطاء بسهولةٍ قيل منذ أكثر من أربعمئةٍ و الف عام !).


    في النهاية فإن اغلب النقاط العلوية تعلمتُها من أخطائي ذاتها التي وقعت فيها من قبل منذ أن دخلت عالم التدوين و بدأتُ مع مدونتي الشخصية الحبيبة.