مع بداية كل سنة يحاول الكثيرون أن يتوقعوا ماذا سيحدث ، هناك توقعات خيالية و أخرى متحفظة ، و لكن هناك توقعات واقعية مبنية على حقائق و الأدلة ، في هذا المقال سأحاول أن أبني توقعات لما سيحدث في عالم المصادر المفتوحة في هذه السنة ، مستندا على ما حدث في السنة الماضية 2007م . شهدت سنة 2007م بعض البوادر و المؤشرات الجيدة لتحسن وضع المصادر المفتوحة ، كان أهمها هو الإتجاه نحو تبني الأنساق القياسية الدولية في تبادل المستندات في الحكومات ، و كان أهم هذه الأنساق هو ما يعرف بتنسيق المفتوح المصدر ODF ، و الإتجاه الثاني هو تبني المصادر المفتوحة لتحل محل التطبيقات التجارية الخاصة ، فكثير من الدول تبنت تطبيق أوبن أوفيس OpenOffice كتطبيق مكتبي ، و اللينكس كنظام تشغيلي ، وغيرها من التطبيقات ، أما على الصعيد شركات تصنيع الحواسيب فقد ظهرت مناورة تخفيض أسعار الحواسيب بتثبيت اللينكس كنظام تشغيلي افتراضي ، وقد نجحت بعض هذه المناورات بشكل لافت جدا فقد باعت شركة أوسس 350000 ألف جهاز من حاسوبها EeePC في غضون ثلاثة أشهر.
ماذا عن سنة 2008م ، كل المؤشرات تشير أن المصادر المفتوحة المصدر ستواصل نجاحها أو لنقل تذليل العقبات التي أمامها هذه السنة ، أول عقبة التى سيعمل الجميع على تذليلها هي تعريفات العتاد ، فهذه العقبة تحدد إذا ما كان سيستمر المستخدم بتشغيل النظم المفتوحة أما لا ، على العموم مع وجود دزينة من الشركات التي تقدم حواسيب محملة بنظم مفتوحة المصدر ، فأعتقد أن هذه العقبة ستذلل بشكل كبير جدا ، فشركة أوسس تتوقع أن تبيع من حاسوبها EeePc ثلاثة ملايين جهاز في هذه السنة ، فأي شركة عتاد لا تريد أن تأخذ حصتها من هذه الصفقة ؟؟ ولنأخذ على سبيل المثال شركة دل التي قدمت طرازين من طرازتها محملة بنظام التشغيلي اللينكس ، و كانت هناك مشكلة تعريف عتاد الرسوميات من شركة ATI ، لم تمضي سنة حتى تم تحديث تلك التعريفات و فتح مواصفاتها لكتابة تعريفات مفتوحة المصدر لها .
أما العقبة الثانية فهي التطبيقات التجارية ، نعم توجد هناك تطبيقات مفتوحة المصدر ولكن ليست احترافية كمثيلاتها التجارية ، أنا أتوقع أن لا يحدث شيء كبير في هذا المجال ، فأولا حصة هذه اللينكس ضئيلة جدا و لا تغري الكثير من الشركات لخوض مثل هذه المغامرة ، و ثانيا نقل البرامج الضخمة على عالم اللينكس ليس بالعملية السهلة ، بل هي تستغرق الكثير من الوقت ، وثالثا وجود تطبيقات مفتوحة المصدر المجانية التي تتطور بوتيرة لا بأس بها مما يسحب البساط عن الكثير من التطبيقات التجارية المتوسطة ، ربما يكون حظ سنة 2009م أحسن من حظ سنة 2008م في هذا المجال .
أما العقبة الثالثة فهي التطبيقات نفسها ، فبالرغم من وجود تطبيقات متميزة في عالم المصادر المفتوحة إلا أن هناك مشاكل في الإستخدامية و الخدمية و حتى في المظهر ، و لكن هذه العقبة أمر موجود في التطبيقات التجارية أيضا ، لذا ليست بالعقبة المصيرية ، الشيء المبهر أن عالم المصادر المفتوحة يتطور بسرعة كبيرة أكثر مما يتخيله البعض ، فمثلا نواة اللينكس يتم اصدار نسخة جديدة منها كل شهرين ، و تطبيق المكتب أوبن أفيس يصدر نسخة جديدة كل ثلاثة أو أربعة أشهر ، و بيئة المكتب الكدي ، تصدر نسخة جديدة كل ستة أشهر ، وهكذا قس على بيئة المكتب جنوم وغيرها من التطبيقات . أما بالنسبة لحصة اللينكس في السوق ، فهي مرشحة لأن تتضاعف مرة على الأقل بالمقارنة مع مستوياتها في عام 2007 م ، ولكن ستظل ضئية جدا بالمقارنة مع النظام التشغلي الويندوز هذا بشكل عام ،
أما اذا خصصنا الأسواق فإن اللينكس و بقية تطبيقات المصادر المفتوحة ستغزو المؤسسات الحكومية و القطاع التعليم في المدارس و الجامعات وجميع المؤسسات غير الربحية ، في جميع أنحاء العالم و خصوصا الدول النامية ، لأن المصادر المفتوحة تقدم ميزة لا تستطيع أن تقدمها البرامج التجارية ألا وهي المجانية ، فلست مجبرا على دفع أي شيء مقابل ترخيص لاستعمال المصادر المفتوحة. وهذه الميزة " المجانية " ستجعل من المصادر المفتوحة تتربع على عرش الحواسيب الإقتصادية ؛ فإذا شهدنا خلال عدة شهور وجود ثلاث شركات تتنافس في هذه المجال ، فإن الباب مفتوح للجميع ، وستدخل الكثير من الشركات في هذه الحلبة لتفوز بحصة ، وستنتشر الحواسيب الرخيصة في جميع أنحاء العالم محملة بالمصادر المفتوحة كخيار لا غنى عنه للبقاء في هذا السوق ، فسعر الويندوز باهض جدا لمثل هذه الحواسيب ، فمن منا لا يريد حاسوب بسعر 200 دولار أمريكي ، أو من منا لا يريد جهاز محمولا خفيف الوزن ب400 دولار ، بينما يكون سعر المعتاد لمثل هذه الأجهز بـ 1700 دولار ؟ في عام 2008م ،
سنسمع الكثير عن مصطلحات مثل المصادر المفتوحة ، اللينكس ، أوبن أوفيس ، الكدي ، الجنوم ، التوزيعات ، أوبنتو ، سوزي ، النواة ، GPL ، ستظهر بين حين و أخر مقارنات بين المصادر المفتوحة والويندوز ، و ستدور معارك كلامية طويلة حول أفضلية هذا على تلك ، و سنسمع أن الشركة الفلانية انتقلت إلى المصادر المفتوحة ، وأن الحكومة الفلانية تخطط لمثل هذه النقلة ، سنرى تقارير على قوة أمان اللينكس و ضعف الويندوز ، و سنرى تقارير أخرى تعاكس تلك تثبت أن الويندوز هو الأفضل للشركات و الحكومات و أكثر أمانا و استقرارا .
لا تنسى أن أغلبية الناس لا تعرف من الحاسوب إلا الشيء القليل جدا ، وغير مستعدة لتغيير ، فالويندوز بالنسبة لهم هو الحاسوب ، و تطبيق تحرير النصوص هو Word ، والإنترنت هو انترنت اكسبلورر ، و هكذا ، حتى على مستوى الجامعات فرخصة الدولية لاستخدام الحاسوب مبنية على نظام احتكاري تجاري ألا و هو الويندوز ، مما يكرس هذا المفهوم بدرجة أشبه بالمسلمات !! على العموم من يهتم خصوصا في عالمنا العربي ، فالحاسوب يقع في أخر مجالات اهتمامتنا ، و هو فرصة سهلة لربح الملايين من الحكومات المتخلفة تقنيا ، و كثير ما نسمع عن قصص خيالية في كيفية السطو على الألاف من الدولارات مقابل أشياء مضحكة تقنيا ، ولكن لا يجب أن نفقد الأمل فسيأتي يوما يكون أفضل لنا.