لسنوات طويلة استقر لدى الكثير من مستخدمي الكمبيوتر ورواد التقنية بشكل عام أن نظام لينُكس نظام صعب معقد ومازال الكثيرون يعتقدون -حتى هذه اللحظة!- بأن لينُكس لا يعمل إلا من خلال شاشة سوداء تُملأ بالأوامر للتعامل مع النظام! وبنفس المنطق استقرت الأسطورة في أذهان الكثير بأن المصممين لا يستخدمون البرمجيات الحرة مفتوحة المصدر في التصميم! وأن هذه البرامج هي للهواة فقط ولا يمكن الكسب منها!
تسمى الأسطورة بهذا الاسم لأنها تُسطر وتنتشر بين الناس بغض النظر عن الزمان والمكان وتغير الأحوال من حالٍ إلى حال، وتظل الأسطورة منتشرة ويتداولها الناس بالرغم من كل التغيرات التي تحدث على أصل الأسطورة.
هذا هو الحال مع نظام لينُكس والعديد من البرمجيات الحرة، العديد من الأشخاص كونوا أفكاراً مسبقة عن هذه البرمجيات سواء لتجربة لهم مر عليها سنين أو حتى من خلال سماعهم لتجارب آخرين دون تجربتها بنفسهم. على الرغم من كون أهم مميزات البرمجيات الحرة مفتوحة المصدر هي سرعة التطور المذهلة، ولا أتكلم هنا عن سنين أو شهور إنما تصل حتى إلى أسابيع قليلة يتم خلالها تطوير وصقل وتحديث العديد من البرمجيات الحرة بشكل رائع لتلبي المزيد من حاجات المستخدمين وتغطي شريحة أكبر تزداد بمرور الوقت.
--مصدر الصورة.
حسناً، لنعد لموضوعنا الأساسي، لسنوات سمعت أن برامج التصميم الحرة مفتوحة المصدر هي للهواة فقط ولا يمكن استعمالها في أي بيئة إنتاجية، في الواقع هذا ما سمعته لفترات طويلة عن عدد من البرامج الحرة مفتوحة المصدر الأخرى (سمعت هذا مراراً وتكراراً عن ليبر أوفيس وحين خرج للنور كتاب "أوبنتو ببساطة" باستخدام ليبر أوفيس وبرمجيات حرة حصراً تغيرت العبارة إلى "كيف فعلت هذا باستخدام ليبر أوفيس؟!").
مع كل التطويرات التي تحصل عليها البرامج الحرة نجد أن هذا يتغير شيئاً فشيئاً، فالنسخة الأخيرة ٢.٨ من برنامج GIMP حصلت على قدر هائل من التطويرات التي نقلت البرنامج لمستوىً مختلف، والرائع دائماً محرر الرسوم المتجهة Inkscape الذي تعدى مرحلة النضوج منذ زمن وأصبح أحد أفضل برامج التصميم المتجهية على الإطلاق، وطبعاً Blender برنامج التصميم ثلاثي الأبعاد الذي أثبت قدرته على منافسة البرامج العملاقة الأخرى في نفس المجال، والكثير من البرامج الحرة الأخرى الرائعة التي استطاعت شق طريقها واثبات جدارتها خلال فترة وجيزة.
لا يتبقى إلا أن يعيد المستخدمين النظر في البرمجيات الحرة مرة أخرى بأسلوب أكثر انفتاحاً وأن يتعاملون معها بطريقتها لا بطرق برامج أخرى، وقد فعل هذا كثيراً من الأشخاص حول العالم، حيث أن الشخص هو الذي يتحكم في الأدوات لا العكس، فالفنان الحقيقي يستطيع استخدام أي برنامج ولا يقيد نفسه ببرامج معينة. وفي عالم البرمجيات الحرة نجد أمثلة عدة على هذا.
نجد الشابة البريطانية Rosie Hardy ذات الـ ٢٢ عاماً تقيم ستوديو تصوير وتستخدم فيه برنامج جيمب حصراً في عمل التأثيرات على الصور التي تلتقطها، وهي تستعمل جيمب بكل احترافية لإخراج صور أقل ما يقال عنها مذهلة. بل أيضاً تقدم خدماتها وتعرض مجموعة من أسطوانات الـ DVD التعليمية لتعلم برنامج جيمب (أنصحك حقاً بالحصول عليها فهي رائعة!). يمكنك مشاهدة فيديو قصير أثناء عملها: Editing Tutorial DVD - The Boxer.
أتذكر كذلك الفنان الفرنسي الرائع David Revoy حينما قام بعمل قصة مصورة بعنوان "l'héritage en couleur" مكونة من أكثر من ٧٠ مشهد دون كلمة واحدة باستخدام برنامجي الرسم الحرين MyPaint و Krita، وقد حملت هذه القصة المصورة الكثير من المعاني والعمق والجمال في نفس الوقت.
الرائع في الأمر أننا قد بدأنا جني ثمار هذا التطور حيث تبحث الآن عدداً من الشركات العربية عن مصممين يستخدمون البرمجيات الحرة في التصميم مثل جيمب، إنكسكيب. فإذا كنت مهتماً بالرسم والتصميم ولديك على الأقل خلفية بسيطة عن برمجيات التصميم الحرة مفتوحة المصدر فيمكنك ارسال بياناتك عبر البريد الإلكتروني. هذا شيء مبشر جداً وأتمنى أن أرى المزيد من الانتشار لتطبيقات البرمجيات الحرة مفتوحة المصدر في بلادنا العربية