البرمجيات الحرة بين الماضي والحاضر

نشره Fahad في

تطور المعرفة عند الانسانية
عرفت الإنسانية حضارات تطورت ثم اندثرت في مختلف مناطق العالم ، وفي أغلب الأحيان ضاعت معرفتها وعلومها التي وصلتها باندثارها ونرى ذلك في مثال الحضارة الفرعونية التي اكتشفت علوما متقدمة جدا في الهندسة المعمارية والطب . فلقد كانت أغلب علوم الفراعنة حكرا على الكهنة ولم يقع نشرها للعامة ، فعند اختفاء الحضارة الفرعونية اختفت معها أغلب العلوم التي اكتشفتها ولم يبقى منها إلا بعض التطبيقات في ميدان الري وغيرها تبناها الفلاحين بغير دراية .


وقد عملت الحضارة الغربية على منوال العلماء العرب بفتح العلوم ونشرها وتدريسها على نطاق واسع مما أوصل بالإنسانية الى حضارتها الحالية والعالية ، إذ لا يمكن أن نتصور حضارة متطورة ومستديمة دون مبدأ فتح العلوم على العامة وتطوير التعليم والمنافسة الشريفة بين العلماء المبينة على البقاء للأصح والأنفع .


البرمجيات المفتوحة هي الأصل
منذ ظهور الحواسيب في بداية الخمسينات ظهر مبرمجوها وكانت هذه الحواسيب آلات كبيرة معقدة وباهظة الثمن ، ومقارنة مع ثمنها كان سعر تطوير البرامج زهيدا جدا ، وإن كانت استعمالات الإعلامية محددة في ميادين خاصة جدا تستوجب تطويرا محددا ، فلم يكن مهما لمنتجي الآلات قيمة البرامج وشفراتها . فكان المبرمجون حتى أواخر السبيعنات يتعاونون ويتبادلون شفرات البرامج بكل حرية ، مما سمح بوضع آليات وفرق جديدة للبرمجة . ومع تطور المكونات الإلكترونية وظهور الميكروبروسيسور تراجع ثمن الحواسيب وظهرت استعمالات جديدة للحاسوب جعلت منه آلة في المتناول تستعمل في تطبيقات عامة . متشابهة عبر العالم ، ومع تطورها تعقدت البرمجيات وتشابهت فزاد ثمنها مقارنة للآلة وأصبح ثمن تطوير البرنامج أكبر بكثير من ثمن الآلة فظهرت شركات عدة مثل Microsoft  التي طورت وتاجرت ببرامج قياسية مختلفة . وإن جنيت هذه الشركات أرباحا كثيرة أكبر بآلاف المرات من الأموال التي اعتمدتها لتطوير البرامج فقد عمدت إلى غلقها واعتبارها إنتاجا ماديا مشابها للآلة في حين أن نسخها لا يكلفها شيئا .


تطور البرمجيات المغلقة
قامت الشركات بإنتاج البرمجيات المغلقة في أغلب الأحيان بشراء شركات أخرى للبرمجيات المغلقة أو باحتوائها وإدماجها إلى منتجاتها ، ونرى ذللك في مثال نظام التشغيل Windows   الذي طور في الأصل لنظام VMS . فكان تطورها مبنيا أساسا على احتواء المنتجين الصغار وإدماجهم لخلق شركات متكونة من ألاف المطورين النكرة في أغلب الأحيان والذي يكون إنتاجهم ملكا لشركاتهم . وإن  كانت الشركات الكبرى سخية مع الصغرى لاحتوائها لها ففي المقابل ربحت أكثر بكثير لبيعها لإنتاجاتها،  لانهن- الصغرى -  ليست لهن القوة التجارية الكافية كالتي تملكها الشركات الكبرى لبيع منتجاتها .


فالقيمة المضافة الحقيقية التي تجنى من بيع البرمجيات المغلقة كانت في أواخر الثمانيات وأوائل التسعينات مبنية أساسا على القوة التجارية وليست على القدرة التطويرية ، فمن ذلك ظهور نظامين للواجهة الرسومية (GUI) متنافسين على نظام (DOS) وهما نظامي          Windows  و  GEM، وبشهادة كثير من المختصين في ذللك الوقت، كان نظام GEM  متطورا أكثر من نظام Windows  ، ومع ذلك فقد اختفى نظام GEM ولم يبق إلا نظام WINDWOS  نظرا للقوة التجارية لشركة MICROSOFT .


وقد أدى التطور الكبير لشركات بيع البرمجيات  المغلقة وصيتها في جني الأرباح الى تهافت الممولين على تمويل أفكار المطورين المبتدئين(startup)  طمعا منهم في أن تصبح الشركات المبتدئة شركات كبرى تجاريا لبيع البرامج المغلقة ، وفي أخر التسعينات بدأت تظهر نقائص هذه المثال الاقتصادي واكتشف الممولون أن الأهمية ليس في الإنتاج  والتطوير فحسب بل في القوة التجارية ، فأفلس الكثير من الشركات المبتدئة في ميدان الإعلامية ولم يبق منها إلا الشركات المبنية على الخدمات عبر الانترنت والتي تعتمد في أغلبها على البرمجيات المفتوحة مثل شركة  Google .

عودة البرمجيات المفتوحة
منذ ظهور البرمجيات المغلقة بدأت مشاكل المطورين الذين كانوا يعتمدون على فتح شفراتهم وتبادلها وواجهوا رفض منتجي البرامج المغلقة عند طلبهم في إطار عملهم الوصول الى شفرة أنظمة التشغيل، فقام ريتشارد ستلمان بوضع الخطوط الأولى للبرمجيات المفتوحة والحرة . بالتوازي ، فتحت شركة IBM  هندسة الكمبيوتير الشخصي ، فتطورت صناعته مقابل حواسيب Machnitosh  التي أغلقتها شركة  Apple  ولم تسمح بتقليدها ، وقد  أثبتت السنوات أن نظام IBM Compatible  أصبح هو النظام القياسي واندثار نظام Apple Machintosh  والسبب الرئيسي ، حسب المحللين الاقتصاديين ، هو فتح نظام  IBM وغلق نظام Machintosh . فقد بين هذا المثال الاقتصادي لفلاسفة البرمجيات المفتوحة والحرة على قدرة فتح البرمجيات وخلق المنافسة في تطويرها . وكان الأهم في بداية ظهور البرمجيات المفتوحة هو وضع نظام تشغيل مفتوح مع مصنف Compiler  لبناء برامج أخرى مفتوحة فوق نظام التشغيل . ومكن تضافر جهود Richard Stallman  وفريقة و Linus Travolds  من وضع نظام GUN/LINUX  الذي مثل النواة الاساسية والمثال الاقتصادي للبرمجيات الحرة .

ومع ظهور الإنترنت وتطورها تطورا مذهلا عالميا ، انتشر هذا النظام الجديد في العالم وتهافت المطورون كل حسب اختصاصه يساهم في تطور نظام GUN/LINUX أو في تطوير برامج أخرى بنفس المنوال . علما وأن الإنترنت في حد ذاته كان نتيجة تضافر جهود مطورين من كل العالم ويمثل مثالا آخر لتطور التكنولوجيا المبني على تضافر جهود وتراكم للمساهمات الصغيرة التي تؤدي لانتاج كبير . وكمثال على ذلك ظهور برنامج الإبحار World Wide Web  الذي بدء سنة 1989 على يد Tim Berners – Lee  في مركز البحوث الاوروبي Cern مرورا بأول انتاج لموزاييك سنة 1993 . ولم يقع إنتاج برنامج مغلق للإبحار على الإنترنت إلا عند ظهور NETSCAPE NAVIGATOR  سنة 1994 و INTERNET EXPLORER سنة 1995 . فهذا مثال إن دل على شيء فهو يدل على إن الخلق ولإبداع في ميدان الإعلامية ليس حصرا لشركات البرمجيات المغلقة .


آليات تطور البرمجيات المفتوحة
في بداية تطور البرمجيات المفتوحة كان مثال الأساسي هو التطوير التشاركي منذ نشأة البرنامج . فهذا المثال مبني على ألية تبدأ من إنتاج برنامج لحل مشكلة خاصة من طرف مستعمل، ثم وضع هذا البرنامج مفتوحا على الإنترنت ، ثم استعمال هذا البرنامج من طرف مستعمل آخر يمكنه إضفاء وظيفة آخرى له وإعادة وضعه مفتوحا على الشبكة الشيء الذي يتيح إثراءه لمستعمل آخر ، وهكذا دواليك حتي ينمو البرنامج ويكتمل .


وقد يكون المساهمين في تطوير هذه البرامج ليسوا من المطورين فقط بل من المترجمين والمختبرين وكاتبي طريقة الاستعمال ونصوص الإعانة HELP  الخ ... وهذا المثال لتطوير البرمجيات المفتوحة هو المثال الأصلي ولكنه ليس الوحيد .


فعند ظهور الشركات الصغيرة المبتدئة في تطوير البرمجيات وكما بينا سالفا تم احتواءها من طرف الشركات الكبرى ولكن لم يصادف الحظ " إن أمكننا أن نقول ذلك " أغلب الشركات الصغيرة الأخرى . فارتئ أصحابها أن يفتحوا ما طوروه للعموم لجعل هذه المعرفة حية ومتطورة غير ثابتة ونرى ذلك في مثال FireBird  ل  Borland  الذي فتحت شفرته من Interbase  . فظهرت مجموعات من المطورين الذين أخذوا هذه الإنتاجات وبنوا حولها أو عليها تطبيقات أخرى أو أصلحوها ونشروها للاستعمال الحر ، فكان ذلك المثال الثاني لتطور البرمجيات الحرة . فقد مكن هذا الفتح بعض الشركات التي كانت على حافة الإفلاس من التطور والاندماج في المثال الاقتصادي الجديد للبرمجيات الحرة المبني على الخدمات وليس على بيع البرمجيات المغلقة .


وكمثال ثالث لتطوير البرمجيات الحرة هناك مساهمات الشركات الكبرى التي تحاول منافسة الشركات الأخرى أخرى اقتصاديا وفي ميدانها . والهدف من ذلك ليس الربح عن طريق البرنامج المفتوح وإنما بيع برامج أخرى وآلات لا يمكن استعمالها إلا عن طريق استعمال برامج منافسيها . مثال على ذلك اقتناء البرنامج المندمج للمكتبية   STAR OFFICE  . وفي أغلب الأحيان تفتح هذه البرامج لكل مطوري العالم في إصدارات موازية للإنتفاع بمساهمتهم مثل  OPEN OFFICE . ORG  بالنسبة للمكتبية  Star Office .

نضوج البرمجيات الحرة
إن تاريخ ظهور ونضوج البرمجيات الحرة يعتبر حديثا بالنسبة للبرمجيات المغلقة . فبطبيعة الحال وفي بداية ظهور البرمجيات المفتوحة كانت البرمجيات المغلقة متطورة وناضجة بالنسبة للبرمجيات المفتوحة . ولكن ونظرا لطريقة تطوير البرمجيات المفتوحة وعدد المطورين (ملايين المطورين ) فان البرمجيات المفتوحة بلغت في السنوات الأخيرة مستوى من النضج سمح لها بمنافسة البرمجيات المغلقة . وفي هذا السياق نذكر ما قاله ممثل Microsoft   بالمغرب العربي  في تونس عندما زعم في ندوة صحفية للمؤسسات التونسية عن " ضرورة الابتعاد عن استعمال البرمجيات الحرة التي قد تنحوا بالمؤسسات منحى خطيرا لا يمكن تداركه ".


فالأرقام الحالية تؤكد أن نسبة تطور استعمال البرمجيات الحرة في العالم تفوق بكثير نسبة تطور البرمجيات المغلقة . ففي فرنسا مثلا يتطور استعمال البرمجيات الحرة والمفتوحة باكثر من 40% سنويا ، مما جعل الوزيرالأول السابق الفرنسي Jeanpierre Rafain  يؤكد أن الاقتصاد الفرنسي ربح 50 مليون يورو من جراء استعمال البرمجيات الحرة في عام 2004 .
وتبين الإحصائيات أن أكثر من 60% من موزعي الإنترنت يستعملون نظامي  Apache و  LINUXوأن نسبة كبيرة من الموزعات الموجودة بالشركات تشتغل تحت أنظمة من عائلة UNIX  ومن بينه طبعا نظام LINUX .


في هذا الاطار تنبئا مكتب الدراسات  The Probe Group  في سنة 2007 أن LUNIX  ضمن ثلاثة أنظمة تشغيل الأكثر استعملا في الآلات المحمولة مثل PDA  أو الهواتف النقالة “ Mobile Phones “  وخصوصا في منطقة أسيا بدفع من الصين الشعبية .
ففي سنة 2003 تجمع أكبر مصنعي الالكترونيات الثمانية في العالم ( ... – sony – Philips – matsushita
(  وكونوا مجموعة CLEF  لتطوير استعمال  LINUX  في الآلات الالكترونية الموجهة للعموم .
وفيما يخص استعمال البرمجيات الحرة في المكتبية فمن المعلوم أن  Microsoft Office  له نصيب الأسد وهذا ما جعل أكثر من 80% من مستعملي Windows  يرجحون سبب استعماله إلى عوزهم لاستعمال Microsoft Office وبرامج أخرى مثل Outlook  و  Photoshop  الى أخره . ولكن ظهور برمجيات مكتبية حرة مثل  Open Office  و Mozilla Firefox  و Gimp  تمثل اختيارا استراتيجيا لكثير من المنشأت والدول فأصبح استعمالها يمثل أكثر من 5% من برمجيات المكتبية . ففي بريطانيا 60% من المؤسسات المحلية والعمومية أعربت عن نيتها المرور الى البرمجيات الحرة حسب ما أوردته مجلة   Financial Times .


إن ما نشهده من تطور لا يمكن مقارنته بالتطورات التي وقعت في التكنولوجيا عامة . ففي التكنولوجيا عامة مثال التطور يكون مبني على مرحلتين : ففي المرحلة الأولى يكون إقبالا كبيرا للاكتشاف ثم تراجعا سببه الأخطاء وعدم تطابق التكنولوجيا مع الاستعمال التي تمكن لمطوري التكنولوجيا من وقت لمراجعتها وأقلمتها مع ما هو منتظر من المستعملين ليكبر في مرحلة ثانية عددهم ويستقر في النهاية في مستوى معين . فالنسبة للبرمجيات الحرة فان استعمالها يكون محتشما في البداية ويتطور ببطء حتى يكتشف مستعمليها نضجها ، عندها تتطور سريعا لتستقر في النهاية في مستوى معين .


هذه الأمثلة للتطور تبين أن تزايد عدد مستعملي البرمجيات الحرة يخضع لمثال جديد لا يسمح بالتكهن بسهولة بنتيجة التطور ، مع العلم أنه يصعب حصر الإحصائيات في ميدان البرمجيات الحرة لطبيعة نشرها . فاحصائيات البرمجيات المغلقة تنشر من طرف شركاتها المنتجة لها عبر رخص الاستعمال في حين أن احصائيات البرمجيات المفتوحة والحرة تعتمد على التحميلات التي وقعت ، وهذا لا يبين هل هذه البرمجيات مستعملة في الحقيقة أم لا ، فمكاتب الدراسات التي تتعهد بهذه الإحصائيات تعتمد أساسا على العينات .


البرمجيات الحرة او المفتوحة واستراتيجيات الإستعمال
اثر اثبات نضج البرمجيات الحرة وإمكانية استعمالها كبديل للبرمجيات المغلقة ، تساءل كثيرون حول كيفية إدارجها في الدورة الاقتصادية للدول . ففي هذا الإطار ، تكونت جمعيات للتعريف بمزايا البرمجيات الحرة والمفتوحة في العالم وأدت الدراسات التي قام بها بعض المختصين إلى أن الدورة الاقتصادية المتكونة من القطاع العام والقطاع الخاص والتكوين لا يمكن لها اعتماد البرمجيات الحرة والمفتوحة إلا عن طريق استراتيجيات تبدأ من القطاع العام . وقد أعربت كثير من الدول عن نيتها وضع استراتيجيات وفي كثير من الأحيان تم وضعهما للمرور إلى البرمجيات الحرة . وفي بعض الأحيان تكون هذه الاستراتيجيات نابعة من المؤسسات محلية ، ففي هذا المضمار أعربت البرازيل والنرويج وكوبا وفنزويلا وماليزيا عن المرور كليا الى البرمجيات الحرة . ووضعت دول أخرى مثل تونس والمغرب وفرنسا وألمانيا والهند وانكلترا وروسيا استراتيجيات للمرور تدريجيا بجزء من منظوماتها إلى المنظومات حرة .

إن المحرك الأساسي لهذه الاستراتيجيات هي أسعار رخص الاستعمال والأموال الطائلة التي تدفعها الدول بالمقابل موازة بالبرمجيات الحرة والرخيصة . وفي بعض الأحيان يكون المحرك الأساسي الاستقلالية التكنولوجية والسلامة المعلوماتية عبر النفاذ إلي الشفرة مثل ما فعله الجيش الألماني والوكالة الأمريكية للحماية الوطنية NAS التي طورت نظام تشغيل لاستعمالها  الخاص ومفتوحة للعموم مبنى على نظام مهيء ويسمى SELinux  ومقوى من ناحية حماية المعطيات . مع العلم أن المحطة العالمية الفضائية تعتمد في بعض من برمجياتها على طبعات منقحة من LINUX . ولا يمكننا في هذه المقالة حصر ما تقوم به الدول والمؤسسات العمومية من أعمال لاستعمال أو المرور للبرمجيات الحرة والمفتوحة . فاستعمال البرمجيات الحرة من طرف الدول والمؤسسات تعدى مشكلة الثمن والنفاذ إلى الشفرة ليصل إلى حق المؤسسة في النفاذ إلى معطياتها بدون إلزامها لاستعمال برنامج ما قد يختفي من السوق في أي وقت ، خاسرة بذلك كل معطياتها الالكترونية بقرار خارج عنها . ففي هذا مثال قرار النرويج للاعتماد على هيئة ملف "  File Format  " مفتوح ، ونظرا لخطر " العدوى " التي يمكن إن يؤدي إلية هذا القرار ، قررت شركة ميكروسوفت اعتماد هيئة ملف مفتوح لبرمجيتها المكتبية في إصدارتها المستقبلية .


العوائق المحدقة لتطور استعمال البرمجيات الحرة :
يمكن أن نسرد على سبيل الذكر وليس الحصر ، العوائق أساسية لتطوير أستعمال البرمجيات الحرة :
•       براءات الاختراع في ميدان البرمجيات .
•       النسخ غير القانوني للبرمجيات أو ما يسمى بقرصنة البرمجيات .
•       عدم الاعتماد على سياسة متكاملة .
•       التسرع في إدخال البرمجيات الحرة دون دراسة ميدانية .
•       التردد في إدخال البرمجيات الحرة .

براءات الاختراع في ميدان البرمجيات الحرة
إن البرمجيات مجموعة أوامر يمكنها أن تؤدي خدمة أو تعطي نتيجة من طرف آلة تعالج المعلومات قالها : " Michel Vivant   ". هذا التعريف طبيعي بالنسبة لمهندسي الكمبيوتر يؤدي إلى عدم الفرز بين البرنامج الذي يعالج المعطيات والمعطيات نفسها . ومن ذلك لغات البرمجة من نوع Object Oriented  تخزن المعطيات مع الأوامر وطرق تفاعلها ، فالبرنامج لا يصف الطريقة في حد ذاتها بل مجرد الوظيفة ، هذه المقاربة تعتبر أقرب الى الحسابيات منها إلى الإجراءات الصناعية .ونتيجة لذلك فإن تطبيق براءات الاختراعات الصناعية غير معقول على البرمجيات .ففي هذا الاطار رفض البرلمان الأوروبي في 2005 الموافقة على قانون يعتبرالبرمجيات كاختراع صناعي أبقى اعتباره كنتاجا للفكر الإنساني كما هو معمول به في بقية أنحاء العالم إلا في أمريكا واليابان وبعض الدول الأخرى . إن خطر اعتبار البرمجيات اختراعا صناعيا يمكن له الخضوع للبراءة الصناعية يمنع كل مطور للبرامج في العالم من تطوير برنامج مشابه له أو براءة صناعية . فهذا يعني أن كل البرمجيات الحرة تصبح طبيعيا غير قانونية في حالة وافقت دولة ما على البراءات الموضوعة من طرف الشركات الكبرى .فقد أثبت المختصون أن مجرد بناء صفحة واب ديناميكية تخضع لأكثر من عشر براءات اختراع في أمريكا، وهكذا يمكن لأصحاب البراءة رفع قضية ضد من طور هذه الصفحة وربحها في النهاية . وهذه الحقيقة يمكن تطبيقها على كل البرمجيات تقريبا التي تتطور في منطقتنا العربية بمعنى أننا وفي حالة المصادقة من طرف دورنا على اعتبار البرمجيات كاختراع صناعي وبالتالي على براءتها فان مبرمجيها سيجدوا أنفسهم خارج القانون ومهددين بالعقاب بمجرد أنهم أنتجوا برامج . فإذا ، خطر براءة الاختراع في البرمجيات اكبرمن مجرد خطر على البرمجيات الحرة ويتعداه ليصبح خطرا على هندسة البرمجيات .


قرصنة البرمجيات
إن قرصنة البرمجيات المغلقة في العالم ظاهرة متداولة في مختلف انحاء العالم ، ففي دراسة لمكتب  IDC  نشرت مؤخرا تبين أن معدل نسبة القرصنة في العالم تفوق 35% مع تفاوت بين المناطق وبين الدول ، ففي امريكا اللاتينية تمثل نسبة القرصنة 66% وفي منطقة إفريقيا والشرق الأوسط 58% وتمثل في الصين والفيتنام 92% .


فأسباب القرصنة تعود أساسا إلى إمكانية اقتناء نسخ غير  قانونية من السوق بأثمان زهيدة ، ويكون المشتري عادة غير قادر على دفع الثمن لاقتناء النسخة الأصلية .
وبما أن تطور استعمال البرمجيات الحرة مبني على النسخ والتوزيع أو ما يسميه البعض "القرصنة القانونية " , فان إمكانية قرصنة البرامج المغلقة لا يشجع المستعملين على استعمال البرامج الحرة والمفتوحة . وقد غض بعض منتجي البرمجيات المغلقة الطرف عن القرصنة خوفا من استعمال البرمجيات المفتوحة عوض عنها . ففي سنة 1998  عندما سؤل مؤسس شركة برمجيات معروفة عن موقفه من ثلاث ملايين حاسوب تباع سنويا في الصين ببرمجيات مقرصنة , أجاب بأنه يفضل أن تقرصن برمجياته على أن تقرصن برمجيات أخرى، فيصبح الإدمان والاعتياد عليها وعند ذلك سيجد الطريقة التي سيجعلهم بها يدفعون ثمن ما قرصنوه  .


عدم  الاعتماد على سياسة متكاملة لإدخال البرمجيات لحرة
عمدت كثير من الدول والمؤسسات كما ذكر آنفا على إدخال البرمجيات الحرة في بعض المشاريع أو بعض التطبيقات، ولكن يبقى من البديهي أن استعمال البرمجيات الحرة يجب أن يبدأ من المدارس والجامعات لخلق الكفاءات التي تكون قادرة على استعمالها من ناحية واقتصاد العملة الصعبة مقابل شراء هذه البرمجيات من ناحية أخرى . ففي بعض الدول تدرس في المدارس والجامعات استعمالات الكمبيوتر والبرمجة بالاعتماد على برمجيات مغلقة وتكون في كثير من الاحيان مقرصنة.


ومن ناحية أخرى ، شوهد في كثير من الدول حواسيب مشغلة بأنظمة  OPEN  OFFICE  وLINUX   تباع الى العموم ، فما يقع هو أن التلاميذ والطلبة يقومون بقرصنة البرامج المغلقة  وتحميلها على الحواسيب، وبذلك تذهب هدرا جميع مجهودات المؤسسات العامة والجمعيات التي تشجع على استعمال البرمجيات المفتوحة والحرة عوضا عن القرصنة . وقد أثبتت التجربة أن استعمال البرمجيات الحرة من طرف مستعملي يستعملون الكمبيوتر لأول مرة لا تؤدي الى القرصنة , فإدخال البرمجيات الحرة في مجتمع أو في مؤسسة يجب أن يخضع لسياسة  التدرج والتكامل مع التكوين .

التسرع في إدخال البرمجيات الحرة دون دراسة ميدانية
في كثير من الحالات يقع إدخال البرمجيات الحرة دون دراسة أو دون تحضير للأرضية  اللازمة لها وذلك من ناحية التكوين أو إعادة هيكلة نظام المعلومات . و يكون الهدف المرغوب عادة مجرد الاقتصاد في الكلفة لا غير .


فالاقتصاد في الكلفة ليس النتيجة السريعة لاستعمال البرمجيات الحرة، ففي كثير من الأحيان نرى إن الكلفة أكبر على المدى القريب مقارنة بالمواصلة في استعمال البرمجيات المغلقة ، فالاقتصاد في الكلفة لا يمكن قياسه إلا على المدى المتوسط والبعيد .
إن استعمال برنامج حر دون التأكد من نضجه واكتمال تطوره يمكن ان يؤدي ببعض المؤسسات إلى رفض مبدأ استعمال البرامج الحرة ، وعدم  وجود  مؤسسات خاصة للمساندة في البرمجيات الحرة قريبة من المؤسسات المستعملة لهذه البرمجيات يجعلها في خطر  ويمكن أن يؤدي الى إشكال يقع استغلاله حتميا من طرف معارضي مستعملي البرامج الحرة .


ففي تونس مثلا توجد شركات خاصة للمساندة في ميدان البرامج الحرة تمسح أهم البرامج المستعملة من طرف المؤسسات مثل شركة OPENWAYS    أو  OPEN NET ، فلقد تطورت في العالم شركات مماثلة تسمى بشركات الخدمات في البرمجيات الحرة وغيرها من المستشارين  الخواص والمختصين .


التردد في ادخال البرمجيات الحرة
تبعا للوزاع الطبيعي للإنسان المبنى على الخوف مما نجهله ، فان الكثير من التقنيين المسؤولين عن وضع والتصرف في أنظمة المعلومات في المؤسسات يرفضون البرمجيات الحرة والمفتوحة خوفا منها . وهذا الخوف يدفعهم إلى الانتظار ألى أن يبدأ غيرهم بالمبادرة وإلى نتيجتها . ونظرا لعواقب الإخفاق الناتجة عن ذلك فلن يبادر أحد منهم في الاستعمال . بالرغم من تشجيع مسؤوليهم وجمعيات مستعملي LINUX  للبرمجيات الحرة وتواجد مؤسسات مساندة ،فأن المحاولات صغيرة وفي ميادين ثانوية ليست لها قيمة على نظم المعلومات في المؤسسة . فتندثر مع الزمن ، المؤسسات الخاصة المختصة في المساندة للبرمجيات الحرة ويخسر بذلك كل المجتمع سنوات من التطور والاقتصاد مقابل مجتمعات أخرى .


الخاتمة
نختم المقال بمجموعة من الاقتراحات نأخذ بعين الاعتبار الطابع الخاص للبرمجيات الحرة في منطقتنا العربية وتشابه الاشكاليات ولزومية التعاون بين مطورين ومساندين لمنطقتنا . هذا ونظرا لطبيعة البرمجيات الحرة التي لا مستقبل لها دون التعاون والتكافؤ وتبادل الخبرات. نقترح إذا ما يلي :
•       انشاء شبكة عربية تجمع المختصين بهدف التواصل والمساهمة مع الحركة العالمية للبرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر ، بغية تطوير الكفاءات وتعريب البرمجيات .
•       تنظيم ملتقى دوري عربي على غرار ما تنظمه الجميعة الإفريقية لمستعملي لينوكس والبرمجيات الحرة والجمعيات الفرنكوفونية التي تنظم الملتقى العالمي للبرمجيات الحرة .
•       إدراج موضوع استعمال البرمجيات الحرة في الملتقيات العربية متعددة التخصصات وذلك من أجل التعريف بالإمكانيات التي يتيحها استعمال البرمجيات الحرة في موضوع الملتقى .
•       تشجيع ودعم نوادي البرمجيات الحرة المتواجدة في الجامعات والمؤسسات التعليمية العربية .
•       ايجاد آليات تمويل للمساعدة على تكريس وتنفيذ الأنشطة المقترحة المشار إليها أعلاه .

بقلم حاتم زيود احد ممثلي مجتمع المصدر المفتوح الفلسطيني  –  فبراير 2011