في المقالات السابقة تحدثنا بشكل مطول عن ماهية البرمجيات الحرة وأهم مبادئها و أسسها وفي هذه المقالة سنتحدث لماذا يجب علينا أن نستخدم البرمجيات الحرة في المؤسسات التعليمية قدر المستطاع.
وحتى يكون حديثنا مرتبا فإننا سنتكلم عن النقاط التالية: التكلفة القليلة وخفض نسبة قرصنة البرمجيات، الأداء العالي والأمان، تشجيع الإبداع وبناء قدرات بشرية، مبادئ مفتوحة للجميع، .
كتعريف مبسط للبرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر هي برمجيات حاسوبية متوفرة مع شفرتها المصدرية للجميع وتأتي عادة بلا تكلفة مادية وتعطي للمستخدمين حرية استخدامها وتوزيعها من دون قيود، بالإضافة إلى استطاعتهم إذا رغبوا دراسة الشفرة المصدرية وتطويرها بما يتناسب مع احتياجاتهم، كل هذا على نقيض البرمجيات المملوكة والتي تبيع حق الاستخدام فقط ولا توفر الشفرة المصدرية ويعتبر نسخها وتوزيعها من غير شراء تراخيص منها غير قانوني وعادة يطلق عليه قرصنة البرمجيات.
تعتبر تكلفة اقتناء التقنية في المؤسسة التعليمية من الأشياء الثقيلة على كل إدارة في معظم المدارس في العالم حتى في أغنى الدول، وما يزيد الأمر سوءا أن كلفة الترخيصات للبرمجيات المملوكة مثل مايكرسوفت ويندوز ومايكروسوفت أوفيس تعتبر مرتفعة وغالية جدا مقارنة مع دخل المتوسط للفرد، هذا عدا عن قيمة البرمجيات المملوكة الأخرى من مثل أدوبي فوتوشوب وتي تفوق في بعض الأحيان قيمة العتاد نفسه.
هنا تبرز قيمة البرمجيات الحرة حيث أنها تتوفر بلا تكلفة في العادة للاستخدام، وهذا ما يساعد المدرسة أو المؤسسة التعليمية على توفير السيولة المادية لتطوير البنية التحتية أو إنفاقها على دورات تطويرية للمعلمين والطلبة أو توفيرها للمشاريع أكثر أهمية، هذا من جهة إدارة المؤسسة التعليمية، أما جهة الطلاب فإن استخدام البرمجيات الحرة يساعد الطلبة على استخدام التقنية بميزانية تناسب ميزانية الأسرة، بخلاف البرمجيات المملوكة التي تلزم بشراء رخص غالية لكل طالب أو فرد في الأسرة.
من الواقع العملي فإن نسبة استخدام البرمجيات غير المرخصة أو ما يطلق عليه قرصنة البرمجيات مرتفعة جدا وهذا ينعكس سلبا على الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية وتشجيع الابتكار والتطوير، واستخدام البرمجيات المقرصنة في المدارس وعدم تنبيه الطلاب إلى أهمية الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية سينعكس سلبا على المدى الطويل على مستقبل الإبداع الفكري في البلد. إن استخدام البرمجيات الحرة وبما توفره من إمكانيات تناسب احتياجات الطالب والمدرس معا، تجعل استخدام البرمجيات المقرصنة فكرة سيئة ويجب الابتعاد عنها في كل الأحوال.
من النقاط الإيجابية في البرمجيات الحرة أنها تتميز بموثوقية واعتمادية كبيرة، بحيث أنها تعمل بالشكل الذي صممت له من دون مشاكل، ولا تواجه مشاكل في الثبات والاستقرار، فمن المعروف أن البرمجيات الحرة تتميز بأنها لا تحتاج إلى تهيئة دورية للنظام ولا تتأثر بالفيروسات المنتشرة بكثرة في عالم الإنترنت. إن نقطة الثبات والاستقرار تجعل كلفة إدارة وصيانة الحواسيب تنخفض بشكل ملحوظ وتخف الأعباء على العاملين في الدعم الفني، وتظهر ثمرة هذا بانخفاض نسبة الانقطاع وتوقف الخدمات الذي يحصل دائما مع البرمجيات المملوكة والمعروفة لدى الجميع.
إن استخدام البرمجيات الحرة في المؤسسات التعليمية يساعد على بناء قدرات بشرية على المدى الطويل، لأن البرمجيات الحرة متوفرة للجميع من دون قيود، وأيضا تتوفر شفرتها الداخلية للدراسة والتطوير مما يتيح الفرصة للطلاب إلى التعرف على تقنيات متطورة ومتجددة وتضعهم في الطريق الصحيح للحاق بالركب التقني المتسارع. قد يكلف استخدام البرمجيات الحرة مبدئيا بعض المال ولكن هذا المال يعتبر استثمارا للغد، استثمارا لتخريج جيلا جديدا لا يعتمد على الاستهلاك، بل عنده القدرة على الإبداع والتطوير والاعتماد على نفسه.
نأتي الآن إلى نقطة مهمة جدا في المحيط التعليمي وفلسفته، إن من أهم أهداف التعليم اليوم هو إعطاء المعرفة ومشاركتها بين الجميع، فالتعليم لا يهدف إلى حكر المعرفة على فئة معينة من الطلاب و المعلمين أو وضع قيود وعراقيل في طريقة اكتساب المعرفة، ومن جهة أخرى فإن من حق الشركات أن تضع قيودا على كيفية استخدام منتجاتها وهذا حتى تربح وتستمر في الإنتاج. من هذه النقطة ولدفع التعارض بين أهداف التعليم و أهداف الشركات، تأتي البرمجيات الحرة بطريقة تضمن للمؤسسات التعليمية بتحقيق أهدافها التعليمية وضمان أنها تستخدم آخر ما توصلت إليه التقنية.
تتمير البرمجيات الحرة بأنها ذات فلسفة منفتحه تناسب البيئات الأكاديمية والتعليمية، وتجعلها بيئة خصبة لتشجيع الإبداع والابتكار من دون التفكير كثيرا في نقطة الربح والخسارة والتي تضع البرمجيات المملوكة في المرتبة الثانية. وهنا يجب إلى أن ننتبه إلى نقطة مهمة وهي أن استخدام البرمجيات المملوكة في المؤسسات التعليمية يجعل هذه المؤسسات كوكالات دعاية للشركات البرمجيات وتجعل الطلبة مدمنين على منتج معين وتحرمهم من فرصة معرفة خيارات أخرى قد تلبي احتياجاتهم بشكل أفضل. إن التعليم يجب أن يتميز بأنه يعلم المبادئ العامة للتقنية فبدلا أن يعلم كيفية استخدام فوتوشوب يجب عليه أن يعلم كيفية التعامل مع الصور بشكل عام ولا يحصر الطالب في برنامج معين، حتى يستطيع الطالب بعد التخرج أن يختار البرنامج المناسب الذي يلبي احتياجاته ويناسب الميزانية التي يستطيع توفيرها لهذا البرنامج.
في نهاية هذه المقالة سأذكر بعض البرمجيات الحرة التي تناسب المؤسسات التعليمية والتي يجب أن يفكر فيها بشكل جدي في استخدامها أو تعريف الطلاب بها على الأقل، سنبدأ أولا بمشروع Linux Terminal Server Project الحر والرائد وهو مشروع يساعد المؤسسات التعليمية والتجارية أيضا على تقليل كلفة العتاد بحيث لا تحتاج إلى شراء حواسيب كاملة بل تحتاج إلى شاشة ولوحة مفاتيح و فأرة وبقية العمليات تأخذها من جهاز ذو إمكانيات عالية يدعي الخادم، تستطيع توفير مثلا خمسين طرفية خفيفة بواسطة خادمين ذو إمكانيات متوسطة.
وكنظام تشغيلي يعتبر نظام Ubuntu من أفضل الأنظمة الحرة التي تهتم بالمستخدم النهائي وسهولة الاستخدام وتوفير بيئة متكاملة للاستخدام والتطوير، أما برنامج OpenOffice فهو حزمة مكتبية توفر بديل حرا ومجانيا لحزمة مايكروسوفت أوفيس فهي تحوي على برنامج معالجة نصوص متقدم و برنامج للجداول الإلكترونية وبرنامج للعروض التقديمية مشابهة جدا لواجهة مايكروسوفت أوفيس.
إذا كانت المؤسسة التعليمية تحتاج إلى برنامج لإدارة المواد والدورات التعليمية فإن برنامج Moodle يعتبر من أفضل البرامج الحرة والمجانية في هذا المجال وهناك أكثر من خمسين ألف موقع يستخدمه ويخدم أكثر من 37 مليون مستخدم و 3.7 مليون دورة تعليمية.
لبقية البرامج الحرة والتي تهم المستخدمين بشكل عام يمكن تنزيل قرص OpenDisc والذي يوفر أشهر البرمجيات الحرة التي تعمل على نظام ويندوز مع مقدمة تعريفية عنها وهي تعتبر خطوة أولية لعميلة الانتقال إلى منصات حرة بالكامل.