من أكثر الأشياء إغراءً في فلسفة البرمجيات الحرة لدى حكومات الدول النامية قوة البرمجيات الحرة في دفع عجلة التطور في الاقتصاد المحلي المتعلق بقطاع تقنية المعلومات، بغض النظر عن المميزات الأخرى من تقليل التكلفة الاقتصادية لاقتناء التقنية واحترام حقوق الملكية الفكرية في الدولة نفسها.
تعتبر قضية احترام الملكية الفكرية أحد القضايا المعقدة والتي عادة ما تعتبر قضية في صالح الدول الكبرى في خضم الحصول على تنازلات من الدول النامية والضغط عليها، وبالرغم من القيم الخُلقية المتعلقة باحترام الملكية الفكرية إلا أنها تأتي بثمن باهظ، فالناس اعتادت استخدام البرمجيات والمواد الترفيهية دون أن تفكر في الدفع، وذلك راجع لأسباب كثيرة منها تساهل الشركات الضخمة في الحد من هذه القضية لتستطيع الضغط على الحكومات فيما بعد للدفع لها.
إن استخدام البرمجيات الحرة - والتي عادةً ما تكون مرخصة قانونيًا للاستخدام بلا مقابل- يقلل من القلق الحاصل من جراء قضية عدم احترام الملكية الفكرية، وهذا يساعد الحكومات على توفير مبالغ تصل بالملايين من قيمة التراخيص في تحسين خدماتها العامة وتوفير هذه المبالغ في مشاريع تنموية تخدم المجتمع بشكل أكثر فائدة. فقدت استطاعت الحكومات التي اعتمدت على البرمجيات الحرة في توفير ملايين الريالات التي كان يجب أن تدفعها للبرمجيات المملوكة واستخدامها في تطوير الخدمات الإلكترونية وتحسينها من مثل حكومة ماليزيا والبرازيل والهند.
هذا ما يتعلق بالقطاع العام، ولكن تنمية القطاع الخاص هو أحد أولويات الحكومات في هذا العصر، لأن العملية متكاملة، فكلما تطور القطاع الخاص تطور معه القطاع العام لما يوفره الأول من خدمات وإمكانيات تمكِّن الثاني من توفير خدمات محسنة ومتطورة، لكن تقف في هذا التصور عقبة وهي أن الدول الكبرى استحوذت بالكامل على قطاع تكنولوجيا تقنية المعلومات بشركاتها الضخمة والعالمية في آن واحد، ومن المستحيل البدء من الصفر لمنافسة مثل هذه الشركات، مما يجعل الشركات المحلية شركات استهلاكية بالكامل لقطاع التقنية ولا توجد فرصة لتطورها.
غير أن استخدام البرمجيات الحرة واعتمادها بشكل عام، قد يساعد على تحسن قطاع التقنية بين الشركات المحلية، بما يخلقه من فرصة لهذه الشركات بأن تستغل المشاريع الحرة والمفتوحة المصدر لتقديم حلول تقنية منافسة للحلول التجارية التي تقدمها الشركات الضخمة.
تقوم البرمجيات الحرة على أربعة محاور لدفع عجلة الاقتصاد المحلي: المحور الأول هو تطوير الكفاءات المحلية للتعامل مع آخر مستجدات العالم التقني، فالبرمجيات الحرة تقوم على فلسفة منفتحة بحيث تشارك المعرفة للجميع بغض النظر عن البلد الذي تنتمي إليها، هذا يخلق فرصة عظيمة للكفاءات المحلية بأن تطور قدراتها العلمية والعملية بحيث ينفتح لها المجال للمشاركة والتطوير في أشهر التقنيات العالمية مما يخلق لهم فرصة للحصول على وظائف ذات مدخولات مرتفعة جدًا.
المحور الثاني هو تكوين أسواق جديدة لتطوير الخدمات التقنية وتقديمها، فاستخدام البرمجيات الحرة في القطاع الحكومي والخاص يتطلب بشكل أساسي وجود شركات متخصصة في البرمجيات الحرة، لأن هذه البرمجيات لا تأتي بعقود الدعم الفني والتدريب، ولكنها تترك هذه المهمة للشركات المحلية، هذا في المرحلة الأولى وهي تكوين سوق الدعم الفني والتدريب على البرمجيات الحرة وهو مجال لا يمكن للشركات الضخمة أن تنافس فيه لأنها عندها حلولها التجارية المنافسة، أما المرحلة الثانية هي مرحلة البحث والتطوير (المسمى R&D اختصارًا) وهذا المجال تتنافس فيه الشركات بشكل كبير جدًا، ويعتبر من أهم التقنيات التي يجب أن تستثمر في الدول لأنه عندما تستخدم التقنيات المتوفرة فأنت مجرد مستهلك في نهاية المطاف، بينما إذا كان قطاع البحث والتطوير متطور وقوي فأنت تصدر التقنية للعالم أجمع، وتجني من وراء ذلك أرباح طائلة. لذى تجد أن قطاع البحث والتطوير يحتل مرتبة أولى لدى الدول المتطورة.
المحور الثالث هو فرق كلفة التصنيع حيث أن فلسفة البرمجيات الحرة هي فلسفة تكاملية فأنت لست بحاجة إلى كتابة وتطوير كل شيء من الصفر، وهذا يوجِد للبرمجيات الحرة فرصة تنافسية قوية مع البرمجيات الامتلاكية لأنها تطوَّر عادةً من الصفر حتى يتسنى للشركات الدفاع عنها في حالة استخدامها من قبل أطراف غير مرخصين باستخدامها. ولتوضيح الصورة لنفترض أن مؤسسة حكومية تريد حلًا تقنيًا لإدارة المستندات عندها، في حالة الحلول المملوكة فإن الشركات تطورها من الصفر وهذا يكلف مبالغًا ضخمة، بينما في حالة استخدام البرمجيات الحرة فإنه ليس على شركة الحلول التقنية المحلية أن تطور الحل البرمجي بنفسها بل يكفي تخصيص حل حر جاهز ليناسب احتياجات المؤسسة الحكومية، وهذا يشكل فارقًا كبيرًا في كلفة التصنيع بين الشركتين.
من جهة أخرى فاستخدام بنية تقنية تعتمد على أنظمة تشغيل حرة مثل جنو/لينكس يوفر مبالغ كبيرة بالمقارنة مع بنية التقنية التي تعتمد على أنظمة تشغيلية امتلاكية مثل مايكروسوفت ويندوز، يمكن استثمار هذه المبالغ في الحصول على حلول التقنية أكثر تقدمًا وأفضل أداءً مما لو استخدمت بنية تحتية تعتمد على أنظمة مغلقة.
المحور الرابع هو تجنب تكرار الجهود وهذه نقطة مهمة في تسريع عجلة تطور الاقتصاد والبحث العلمي، فاستخدام وتطوير البرمجيات الحرة يجعل المجتمع يعمل على مشاريع معروفة بحيث يستثمر الجميع فيها وتتطور لخدمة الجميع، لا داعي مع البرمجيات الحرة لأن يعمل كل شخص لوحده فهي في النهاية عمل جماعي تشاركي يهدف إلى تقديم خدماته للجميع من دون قيود.
من جمع النقاط السابقة تتضح أهمية اعتماد البرمجيات الحرة في المبادرات الحكومية والخاصة على حد سواء لما في البرمجيات الحرة من دافعية ذاتية للتشجيع على التطوير والإبداع والابتكار، وتشارك المعرفة مع الجميع.