حول إعلان أنس نهاية التاريخ

نشره طريف في

الصديق الجميل أنس معرواي، واحد من أكثر الأصدقاء على الشبكة قربًا إلى قلبي، تعرّفت عليه منذ أعوام طويلة، ومن خلال مدونته الجميلة تعرفت على الكثير في عالم التدوين والتقنية، فهو من ألهمني إفتتاح مدونتي الأولى، وشجعني (مع الكثيرين) على خوض تجربة استخدام نظام التشغيل لينكس... مؤخرًا كتب أنس تدوينة بعنوان: هل حان الوقت لإعلان وفاة لينوكس على سطح المكتب؟ ولديّ عليها بعض التعقيبات، إلا أنني أجد نفسي استخدم التهكم أحيانا في مثل هذه المواطن، فاستأذنت قلبه الجميل بأن أتكلم وعليّ الأمان :D، وهاكم رديّ.

# لم ينسَ المستر أنس التذكير بدايةً بأنه رب اللينكس العربي فهو "من أشد المتحمسين"، ناشر سلسلة "الهجرة إلى لينكس"، والذي قنع الكثيرين وساعدهم لتفعيل هذا الانتقال.... لكن ها هو يخرج من مختبر التحاليل التقنية، مرتديًا مريوله الأبيض، يزمّ شفتيه، وطعم المرارة يعتصر فمه، ليخبرنا أنه "للأسف، قد ضاق ذرعًا بلينوكس كنظام تشغيل سطح المكتب"، وهذه البداية فقط، والتمهيد الضروري، لنتيجة التقرير الذي بين يديه: "أعتقد بأن الوقت قد حان لإعلان وفاة هذه التوزيعات والواجهات" يهز برأسه بعلامات الحسرة والأسف ليردف قائلًا "يؤلمني قول هذا"...  Stop، ينتهي المشهد، تسدل الستارة... أكشن، يبدأ المشهد الجديد "الآن، أكتب هذه السطور من خلال حاسبي الجديد MacBook Pro" ...

ثلاثة تعقيبات حول طرح أنس

الرأي الشخصي كحقيقة علمية

أكثر ما يجعلني أبتسم :) الأسلوب الذي يقدم به البعض خياراته الشخصية على أنها حقائق كونية نهائية، مطلقة الصحة.... نعلن وفاة لينكس، انتهى، قضي الأمر الذي فيه تستفتيان
أتفهم حقيقة أن لينكس لم يعد يلبي حاجة الصديق أنس، كما غيره الملايين الذين لا يرون في لينكس نظاما قادرًا على تلبية متطلبات عملهم (وهم في ذلك محقون)، لكن لا أفهم أن يعني ذلك (إعلان وفاة لينكس سطح المكتب) ..

أحدهم يحب تناول الطعام في ماكدونالز، فيعتبر أن ماكدونالز أعظم مطاعم المجرة، وما ان يغير ذوقه بعد سنوات، حتى يخرج للملأ معلنًا اتجاه ماكدونالز لإشهار إفلاسها خلال أشهر (أنس فعلها!). نريد أن نكون محور الكون، إذا لم تعد تستخدم لينكس عزيزي فهذا لا يعني أن لينكس فشل كنظام لسطح المكتب، لا يزال الكثيرون يرون أن لينكس مناسب لهم، وهو فعلًا كذلك (الأمر يختلف من شريحة إلى أخرى):

أوبونتو هي التوزيعة الرسمية في الصين
مدينة ميونخ الألمانية تنتقل إلى استخدام توزيعة LiMux
الشرطة الفرنسية تستخدم أوبونتو |
مقاطعة إسبانية تنقل 40 ألف كمبيوتر حكومي لتوزيعة Sysgobex و 85 ألف كمبيوتر لتوزيعة Linex

أما المدارس والجامعات والجمعيات والهيئيات الدولية والأمنية التي تستخدم لينكس فهي حقًا أكثر من أن تذكر، روسيا أيضًا اعتمدت لينكس بالمناسبة منذ عدة سنوات، الحكومة الألمانية تدعم توزيعة سوزي.

لا أريد هنا أن أثبت العكس، بأن لينكس نجح كنظام لسطح المكتب، البتة، لكن ما أود قوله بأن أحدهم إن لم يعد لينكس يناسبه فهذا على العين والرأس، لكن لماذا يحشر أنف الكرة الأرضية معه :)

المقارنة غير العادلة

النقطة الثانية التي أود ذكرها، أنه لا يجب أن نقارن توزيعة سطح مكتب مجانية يطورها مبرمجون بشكل تطوعي غالبا، مع نظام تشغيل تقوم عليه شركة كآبل، يكاد يصل سعر تجربة الاستخدام حتى ألف دولار (لم أقل أن سعر OSX يبلغ ألف دولار، إذ أن آبل اتجهت مؤخرًا نحو توفير النظام بشكل مجاني، لكن الحديث عن تجربة الاستخدام التي لا تتحقق دون جهاز ماك، وبالتالي فالمستخدم يدفع ثمن ما يستخدم في النهاية).

ذكرنا في مرات عدّة، أننا نتنمى أن تظهر شركة تعمل على تطوير توزيعة لينكس مدفوعة الثمن تعمل على سد نقاط الضعف والنقص... لكن كما أنه لا يصح مقارنة شوكولا جالاكسي مع شوكولا عمّار :) فإنه لا يصح مقارنة سامسونج ستار مع الآيفون، حتى وان كان سامسونج ستار يعمل على الأندرويد، لكن يجب اختيار منافس بذات المرتبة، لنقل أنه إس 5

بالتأكيد عندما ستدفع ألف دولار ستحصل على عمل دون تشويش، وإلا فعندها ستكون كارثة حقيقية أن تدفع هذا المبلغ لتعود لتعاني من مشكلة تبديل اللغة :-/ هذه بديهة متوقعة لا أدري لم تم تقديمها على أنها الاكتشاف الخطير الذي أعلن وفاة لينكس

الأخطاء في كلّ مكان

صديقي يبعد عني مسافة عشر دقائق سيرًا على الأقدام، وهو يملك جهاز ماك بوك، وأعرف أيضًا أنه يواجه مشاكل وعلل وأخطاء مختلفة بين الحين والآخر، ربما بزخم أقل، لكنها موجودة عكس ما يشعر به من يقرأ تدوينة أنس، وهذه منتديات OSX المختلفة، تمتلئ بآلاف المواضيع عن مشاكل وعلل مختلفة، كحال أي منتدى آخر.

المبالغة التي طرح بها أنس حديثه عن ماك بوك، هي ذاتها المبالغة التي كان قد استخدمها عند حديثه عن لينكس قبل بضعة سنوات، إذا لا شيء قد تغيّر :) وهو النظر بشكل مطلق وحتمي تجاه الاختيارات والأذواق الشخصية

 

عندما تخّلت جدتي عن استخدام أنواع معينة من البهارات في بعض مأكولاتها، كانت تردد ما يقوله جدي "العالم تغيّر"، الذي تبيّن لاحقًا أن جدي أقنعها بذلك لإرتفاع ثمنها آنذاك ;) خياراتنا الشخصية لن تحدد الاتجاه العالمي، هذه هي ببساطة :)

دمتم بود

 

------------------------------------------------

* مع كامل محبتي وتقديري، واحترامي لخياراتك صديقي :)