تسبب فيروس نقص المناعة البشرية أو الإيدز ما يقدر بنحو 36 مليون حالة وفاة، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، و يبقى الخطر الرئيسي في جميع أنحاء العالم. هناك ما يقارب 35 مليون شخص يعيشون اليوم مع فيروس ضعف المناعة البشرية (الإيدز) . بما في ذلك 1 مليون شخص في الولايات المتحدة.
قدرة فيروس نقص المناعة البشرية على مقاومة الأدوية جعلت من الصعب جدا القضاء عليه. أظهرت بعض العلاجات تقدما ملحوظا في إبطاء أو حتى إيقاف تطور الفيروس، و لكن لم يتم اكتشاف أي علاج أو لقاح للقضاء على المرض حتى الآن.
في العقد الماضي بدأ العلماء باستخدام سلاح جديد في المعركة ضد فيروس نقص المناعة البشرية إنها : أجهزة الحواسيب العملاقة.
سخّر العلماء قوة الآلاف من معالجات الحواسيب في وقت واحد للوصول لفهم أفضل لكيفية تفاعل فيروس نقص المناعة البشرية مع الخلايا المصابة به ولاكتشاف أو تصميم علاج جديد يمكنه مهاجمة الفيروس في نقاط ضعفه و حتى لاستخدام المعلومات الجينية للمتغيرات الدقيقة للفيروس لتطوير علاج مخصص للمريض.
من بين الباحثين الذين استخدموا الحواسيب العملاقة لدراسة فيروس نقص المناعة البشرية الدكتور كلاوس شولتن، المتحدث الرئيسي في مؤتمر الحوسبة الفائقة الدولي عام 2014 في لايبزيغ، ألمانيا. شولتن، أستاذ فيزياء في جامعة إلينوي في أوربانا شامبين، اخترع ديناميات النانو الجزيئية، برنامج حاسوبي، واحدة من أكثر الأدوات استخداما لفهم الأمراض على المستوى الجزيئي. بدعم من المؤسسة الوطنية للعلوم و باستخدام بعض أقوى الحواسيب المتطورة في العالم، تدفع فرق من الباحثين حدود ما نعرفه عن فيروس نقص المناعة البشرية و كيف يمكننا علاجه.
و فيما يلي تسعة أمثلة عن كيف أن العلماء يطبقون قوة الحوسبة الهائلة و المعارف الحاسوبية لمكافحة هذا المرض.
1) نمذجة فيروس نقص المناعة البشرية : من الذرات إلى الإجراءات :
محاكاة ذرية دقيقة لهيكل غشاء فيروس نقص المناعة البشرية (المكتشفون : فرقة النظرية وحاسوبية الفيزياء الحيوية، جامعة إلينوي أوربانا شامبين)
لكي تصاب الخلايا غير المنقسمة بمرض نقص المناعة البشرية يجب أن يدخل الفيروس إلى الخلية و يجذب البروتينات الخلوية لتكون بمثابة مرافقين، ليبدأ الفيروس بالتوجه إلى نواة الخلية و ليساعده على الإندماج مع جينات الخلية. عملية الإصابة هذه توفر فرصا للتدخل الطبي و ربما تشير إلى علاجات جديدة لفيروس نقص المناعة البشرية. على كل حال لا يمكن أن تلاحظ ديناميات العملية إلا من خلال النمذجة الحاسوبية و المحاكاة.
حجم قفيصة فيروس نقص المناعة البشرية، أو الدرع، متجانس مع شكله غير النظامي، مما منع العلماء لمدة طويلة من محاكاة هيكل القفيصة بدقة كافية. لكن الباحثين من فرقة كلاوس شولتن بجامعة إلينوي في أوربانا شامبين، استخدموا الحاسوب المتطور لمؤسسة العلوم الوطنية ( المياه الزرقاء) فلاحظوا كيف أن القفيص يتفاعل مع الدواء و يستضيف البروتينات على المستوى الذري. النموذج، تتكون من حوالي 1300 بروتين و 4 ملايين ذرة، هو حاليا أكبر مدخل في البحوث التعاونية لبنك معلومات البروتينات المعلوماتية الحيوية الهيكلية وهو مستودع للبيانات الهيكلية ثلاثية الأبعاد للجزيئات البيولوجية الكبيرة.
2) اكتشاف جيب خفي في بروتينات فيروس نقص المناعة البشرية يؤدي إلى أفكار لموانع جديدة:
جيب مخبأ داخل بروتين حيوي لفيروس نقص المناعة البشرية يمكن أن يكون مستهدفا من طرف الدواء الذي يكون بمثابة (وتد جزيئي) (المكتشفون : أنتوني إفيتاك، سارة إي، سويفت و جيه أندرو ماكامون، قسم الكيمياء والكيمياء الحيوية، جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، جون نوتون، ارتورو دياز وجون آي.تي. يونغ، مركزنوميس لعلم المناعة والميكروبات المرضية، معهد سالك للدراسات البيولوجية، بول إل. بوير و ستيفن إتش. هيوز، برنامج علاج مقاومة مرض نقص المناعة البشرية، مركز أبحاث السرطان، المعهد الوطني للسرطان).
تعاون باحثون من جامعة كاليفورنيا، سان دييغو، و معهد سالك للدراسات البيولوجية والمعهد الوطني للسرطان بمجهوداتهم لاكتشاف عقار أو دواء جديد مرشح لمكافحة فيروس الإيدز.
بمساعدة من مركز الحاسوب المتطور سان دييغو، أجرى العلماء محاكاة جزيئية لإلتقاط تحركات جيب صغير على سطح الفيروس حيث أنهم يظنون أنه يمكن أن يكون مستهدفا من طرف الدواء لمنع إعادة تفعيل الفيروس.
باستعمال الجيب كهدف، فحصوا تقريبا الآلاف من المركبات و اختبروا 16 مركبا لقدرتها على منع الإصابة بالفيروس في مزارع الأنسجة البشرية. في نهاية المطاف، اكتشفوا إثنين من المركبات التي تمنع نشاط فيروس نقص المناعة البشرية وتمنع نشاط إنزيم النسخ العكسي بنفس فعالية دواء مصادق عليه من طرف الهيئة، النيفيرابين. ويعتقد الباحثون أن هذه المركبات لديها القدرة على التطور إلى أدوية المستقبل واكتشاف المزيد.
3) منع فيروس نقص المناعة البشرية من الوصول إلى حالة النضج :
النموذج الجزيئي لحبيبات خشنة لغشاء فيروسي ناضج لفيروس الإيدز يظهر درعه مثل الهيكل (المكتشفون : غريغوري ألف فوث، جامعة شيكاغو).
تضم قفيصة ناضجة من فيروس نقص المناعة البشرية الآلاف من البروتينات المترابطة التي تعمل مثل بدلة من المدرعات حول المادة الوراثية للفيروس. إذا لم يتشكل هذا الدرع الشبيه بالهيكل، عندئذ لن يتمكن الفيروس من إصابة الخلايا.
استخدم الباحثون من جامعة شيكاغو الحاسوب المتطور المسمى بالكراكن الموجود بالمؤسسة الوطنية للعلوم الحاسوبية لدراسة كيفية تشكل القفيص الناضج لفيروس نقص المناعة البشرية.
على ما يبدو وجدوا أن السلوك المعقد للتجمع الذاتي للقفيص أصبح بسيطا بمجرد أن فهموا شكل و سلوك البروتينات التي شكلتها. العمل الجاد جعل فهمنا لدورة حياة الفيروس يتقدم و به ألهمنا لتطوير دواء جديد يعرقل نمو الفيروس. ظهرت النتائج في المجلة البيوفيزيائية في أكتوبر2012.
4) التعهيد الجماعي كعلاج:
لقطة للغز فولديت نشط، يظهر المتصدرين على أعلى درجة من كل لاعب / فريق (المكتشفون: جامعة واشنطن)
بعد فشل العلماء المتتابع لجمع هيكل البروتين المخفض للأنزيمات التي تلعب دورا مهما في فيروس الإيدز، استدعوا لاعبين لعبة فولدت، و هي لعبة فيديو على الإنترنت على شكل لغز، لإيجاد حل. باستخدام فولدت (العلماء المواطنين) كانوا قادرين على تحديد كيفية طي الإنزيم و حل لغز هيكله. بالمزيد من المساعدة من لاعبي اللعبة، كانوا قادرين على تحديد الأدوية المستهدفة لتحييد الإنزيم.
فولدت هو جزء من مشروع بحثي تجريبي بدعم من مؤسسة العلوم الوطنية والتي طورها مركز جامعة واشنطن لألعاب العلوم بالتعاون مع قسم الكيمياء الحيوية بجامعة واشنطن. حالة بروتين التعهيد الجماعي بمثابة مثال حاسم لكيفية أن لعبة بهدف يمكن أن تحل مشاكل العالم الحقيقي.
5) الفحص الظاهري لمانعات فيروس نقص المناعة البشرية:
محاكاة العلماء اثنين من البروتينات التي تلعب دورا رئيسيا في فيروس نقص المناعة البشرية من أجل إيجاد مثبطات جديدة (المكتشفون : كوون واي. دي. ، لالوند جاي.إم. ، يانغ واي. ، إلبان إم. آي. ، إي أل.)
قام فريق من الباحثين من ولاية بنسلفانيا باستخدام حاسوب للنمذجة الحاسوبية والفحص الظاهري، مدعوم بأجهزة كمبيوتر متطورة، لتحديد مانعات جديدة لفيروس نقص المناعة البشرية و لفهم أفضل لكيفية تفاعلهم مع الفيروس. ركزوا على جزيئات صغيرة تعمل على منع التفاعل بين المستقبلات على سطح الخلايا البشرية و بروتين مهم على سطح غشاء فيروس نقص المناعة البشرية.
باستخدام نظام بلاكلايت بمركز بيتسبورغ للحواسيب المتطورة، فحص الباحثون أكثر من 10 ملايين مركب للعثور على جزيئات صغيرة التي كانت مناسبة للبروتين الذي يستهدفونه. من بين 10 ملايين قاموا بتحديد 6 جزيئات صغيرة، مجمعات البروتين على سطح فيروس نقص المناعة البشرية التي تعرض وسائط فريدة من الإلتزامات. وعند تجمعها معا تشكل ما يعتقد الباحثون أنها فئة قوية من مثبطات دخول فيروس نقص المناعة المكتسبة.
6) آثار الغشاء :
محاكاة لهفوة تجمع البروتين الفيروسي لهيكل فيروس نقص المناعة البشرية (المكتشفون : هيرش ناندا، المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا)
من المعتقد أن بعض البروتينات التي تصل فيروس نقص المناعة البشرية بغشاء الخلية يعزز نمو الفيروس. وجد الباحثون أن الجمع بين الطرق التجريبية و المحاكاة الحاسوبية يمكن أن يكشف الكثير عن ديناميات الخلية المرتبطة.
قادت هيرش ناندا من المعهد الوطني للمعايير و التكنولوجيا فريق بحث في دراسة المراحل الأولى من تشكيل جزيئات الفيروس الجديدة في خلية مصابة. خلال هذه الخطوات الأولى، تحط بروتينات فيروس الإيدز على غشاء الخلية.
باستعمال حاسوب الكراكن المتطور في المعهد الوطني للعلوم الحاسوبية، كان فريق ناندا قادرا على دراسة القوى التي تحكم مجموعات البروتينات على الأغشية بشكل أفضل و أسرع مما لو كانوا يستخدمون أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم في المختبر. سرّع الكراكن بشكل عظيم تحليل البيانات لانتشار النيوترونات التي استخدمت للمقارنة مع المحاكاة.
كشفت المحاكاة أن طبقة بروتين مهمة من فيروس نقص المناعة البشرية ترتبط في نفس الوقت بغشاء الخلية و بالحمض النووي الريبي الفيروسي من أجل تغيير الشكل، و كيف أن تحول بروتين فيروس آخر بين الهياكل المدمجة و الموسعة مرتبطة بغشاء الخلية. هذه الاكتشافات هي الملهمة لأساليب علاجية جديدة التي تركز على تفاعل الأغشية.
7) أساليب الحوسبة لعلاج مخصص للمريض :
ترجم العلماء بيانات فيروس الإيدز التسلسلية إلى المعلومات الرقمية لترتيب مثبطات فيروس نقص المناعة البشرية (المكتشفون : هيو مارتن، ديف رايت وبيتر كوفني، مركز العلوم الحاسوبية، كلية لندن الجامعية)
يعرف الأطباء أنه هناك عدة سلالات مختلفة من فيروس نقص المناعة البشرية، و أن الأدوية لهذا المرض لم تكن لها نفس التأثير على كل الناس. الاختلافات الوراثية الدقيقة بين السلالات و بين الأفراد يؤدي إلى مجموعة من نتائج العلاج. باستخدام الكراكن المدعوم من مؤسسة العلوم الوطنية و مجموعة من الحواسيب المتطورة، حدد باحثون من جامعة كلية لندن و من جامعة روتجرز شكل بروتين رئيسي مشارك في عدوى فيروس الإيدز في مريض و من ثم رتبوا جزيئات الدواء الذي له أكبر احتمالية لصد النشاط.
أظهر المشروع كيف أنه يمكن للباحثين استخدام التقنيات الوراثية التسلسلية و حوسبة هائلة لتصميم بروتوكولات علاج مخصص لمريض محدد قريبا. من المتوقع أن يصبح هذا النوع من العقارات المخصصة لمريض محدد روتينية في المستقبل.
تم نشر البحوث في الاجتماع السنوي للجمعية الأميركية لتطور العلوم، ونشرت في مجلة نظرية كيميائية والإعلاميات.
8)إعداد الجيل القادم لمواصلة المعركة :
كلية ميريماك الجامعيين دانيال فرتي (الخلف) وديف دانيلز (الأمام) تقييم الفعالية من الفحص الظاهري باستخدام بايمول (المكتشفون : جيمي فرانكو، كلية ميريماك)
في كلية ميريماك في ولاية ماساشوستس، يتعلم الطلاب كيف يقومون بإجراء الفحص الظاهري باستخدام حاسوب الإندفاع المتطور بمركز تكساس للحوسبة المتقدمة. يستخدم الفحص الظاهري أساليب حسابية لتحديد جزيئات صغيرة التي من المحتمل أن ترتبط لتعطي دواء معروفا، غالبا ما يكون بروتينا. أصبحت هذه الطريقة أداة قيمة بالنسبة للعديد من شركات التكنولوجيا الحيوية والمستحضرات الصيدلانية.
النشاط يعرض الطلاب لموارد حاسوبية ضخمة و يبين لهم طريقة القيام بالعلم الذي كان القليل يعرفون سابقا بوجوده. إنها واحدة من بين العديد من الطرق التي يستخدمها المربين في مختلف أنحاء البلاد لإعداد الطلاب كقوة عاملة مستقبلية من خلال دمج التقنيات الحاسوبية المتطورة في مناهجها الدراسية.
9) صبي و الوحش :
أرماند بيلج بجانب ملصق يشرح مشروعه الحائز على جائزة بحوث فيروس نقص المناعة البشرية (المكتشفون : أرماند بيلج، لكسينغتون مدرسة ثانوية)
عندما كان أرماند بيلج في الصف العاشر بثانوية ليكسينغتون في ولاية ماساشوستس، أنشأ خريطة و جدولا زمنيا يحددان وقت قدوم فيروس نقص المناعة البشرية إلى أمريكا، و أين و متى سينتشر هذا الفيروس عبر كل هاته القارات. للقيام بذلك، استخدم بيلج مزيجا من البرامج الجزيئية التسلسلية و موارد الحوسبة عالية الأداء التي تمولها مؤسسة العلوم الوطنية.
كونه عضوا في نادي الكمبيوتر لما بعد المدرسة، استخدم بيلج برنامجا حاسوبي يسمى بالوحش لإنشاء شجرة تفصيلية تطورية على أساس التشابه و الاختلاف في 3000 من الوحدات الصغرى لنوكليوتيدات جينة من بينها 400 سلالات معروفة من فيروس الإيدز. تم تشغيل البرنامج على بوابة العلوم و الموارد العامة المطورة من طرف مركز الحواسيب المتطورة بسان دييغو و بدعم من مؤسسة العلوم الوطنية التي تسمح كل من هو مهتم بالعلاقات التطورية فعليا بدراسة كل الأنواع على وجه الأرض.
استنتاجات بيلج دعمت النتائج عن الفيروس التي تم نشرها مسبقا من طرف الخبراء التي تشير إلى أن(تقديما واحدا لفيروس الإيدز بهايتي في منتصف 1900 أدت إلى تفشي المرض في جميع أنحاء القارة الأمريكية). فاز المشروع بالمركز الأول بمعرض العلوم و الهندسة البيولوجية 2012 بماساتشوستس.
هذه المقالة مترجمة من الإنجليزية، رابط المقالة الأصلية هنا.