في المقالات السابقة تكلمنا عن حركة البرمجيات الحرة وعن مبادئها و أسسها وأشهر البرمجيات الحرة، وكنا دائما نقرن البرمجيات الحرة بالبرمجيات مفتوحة المصدر، فيا ترى ما هي هذه البرمجيات وما هي الفلسفة التي تدور حولها وما هي الاختلافات الجوهرية بينها وبين البرمجيات الحرة.
يمكننا تعريف البرمجيات مفتوحة المصدر Open Source Software بأنها برمجيات توفر كودها المصدري تحت رخصة برمجية تسمح بدراسة وتغيير وتحسين البرنامج نفسه للمستخدمين النهائيين. تعتمد البرمجيات مفتوحة المصدر على فلسفة المصدر المفتوح وهي طريقة تطويرية للبرمجيات تستفيد بشكل كبير من عمليات التوزيع وشفافية العمل بين جميع الأطراف، حيث تلتزم هذه الفلسفة بأن البرنامج حتي يعرف على أنه مفتوح المصدر يجب عليه أن يوفر عدة شروط من أهمها: حرية إعادة توزيع البرنامج و توفر النص المصدري للبرنامج، وحرية توزيع النص المصدري، وحرية إنتاج برمجيات مشتقة أو معدلة من البرنامج الأصلي، وحرية توزيعها تحت نفس الترخيص للبرمجيات الأصلي.
نشأ مصطلح البرمجيات مفتوحة المصدر، بعد أن قررت شركة نتسكيب في يناير 1998م وكخطوة أخيرة للبقاء أن تطلق المصدر الداخلي لمتصفحها نتسكيب الذي خسر الرهان مع متصفح مايكروسوفت إنترنت اكسبلور بحيث يتوفر للدراسة والتطوير للجميع، بعد هذا الإعلان فكر مجموعة من هكر البرمجيات الحرة، وعلى رأسهم إيريك ريموند، في طريقة تسويقية جديدة للبرمجيات الحرة في عالم الشركات والأعمال.فالمشكلة الحقيقة في نظرهم ليست في الأسس الفلسفية للبرمجيات الحرة بل في كلمة Free حيث أنها غامضة. هل تعني أنها مجانية بلا مقابل مادي أم أنها حرة للتعديل لأي شخص؟ وكما هو معروف للجميع أن المصطلحات لها دور كبير في التسويق والدعايا، لذى فإن كلمة Free لا تناسب الشركات المطورة والشركات المستخدمة للتقنية لما تحمله من غموض في المعنى.
لذى خرجوا بمصطلح جديد أطلقوا عليه "المصدر المفتوح" حيث نصوا على أن المصدر المفتوح هي طريقة تطويرية للبرمجيات بحيث أنها توفر المصدر البرمجي لها ويمكن أن تتوفر بمقابل مادي أو بالمجان. تتميز هذه الطريقة على أنها مرنة لأن مصدر البرنامج يتوفر لآلاف من المطورين الذين لديهم مرونة تحرير وتطوير البرنامج ليناسب احتياجاتهم الخاصة، وهي أيضا إبداعية لأنها طريقة تطويرية تشاركية يتشارك فيها المطورون بأفكارهم عبر الأنترنت وعبر الواقع في اجتماعات تطويرية. وكذلك تمتاز بأنها موثوقة لأن ألآلاف من المطورين يختبرونها ويصلحون العلل التي بها بشكل فعال وسريع. وما يميزها أيضا أن وقت التطوير بها أسرع بحيث أنها تشرك المجتمع في الاختبارات واستقبال التصليحات والمميزات بخلاف المنهج التجاري التقليدي.
عندما خرج هذا المصطلح للإعلام لاقى قبولا واسعا بين المهتمين في جميع قطاعات المتعلقة بتقنية المعلومات، وخاصة أنه روج له كوسيلة تطويرية فعالة للإنتاج، فظهرت نتائج هذه الحملة الإعلامية في العديد من الجوانب، فمن ناحية البرمجيات والتطبيقات اعتبرت كل البرمجيات الحرة الشهيرة هي برمجيات مفتوحة المصدر مثل برنامج فيرفوكس و أباتشي و جنو/لينكس.
ومن ناحية العتاد ظهر مصطلح العتاد مفتوح المصدر بحيث أن مواصفات تصميم هذا العتاد منشورة للجميع ويستطيع أي شخص أن يحصل عليها وأن ينسخها ويعيد تطوريها ونشرها، ومن أشهر الأمثلة للعتاد المفتوح المصدر معالج أوبن سبارك من شركة صن المخصص للخوادم الضخمة، و بطاقة العرض أوبن جرافيك وهو مشروع لإنتاج بطاقات عرض مفتوحة المصدر وموثقة بشكل جيد ومتوفرة للجميع.
ومن ناحية المحتوى الرقمي ظهرت مشاريع ضخمة تؤمن بمبدأ المصدر المفتوح للمعلومات ووجوب توفرها للجميع، ولعل أشهر هذه المشاريع هو مشروع موسوعة ويكيبيديا، وهي موسوعة يتشارك الجميع في تحريرها وتطوريها متوفرة لجميع اللغات، وتعتبر من أشهر المواقع في عالم الإنترنت.
ومن المشاريع الطريفة في عالم المصادر المفتوحة هو مشروع أوبن كولا وهو مشروع لإنتاج مشروب غازي شبيه ببيبسي وكوكاكولا ولكن وصفته مفتوحة ومطورة من قبل مساهمين ومتطوعين من جميع أنحاء العالم. حيث أن كل شركات المنتجة للمشروبات الغازية تحتفظ بأسرار خلطات المشروبات كأسرار تجارية لا تبوح بها إطلاقا، وجاء هذا المشروع لكسر هذا الاحتكار.
نعود الآن إلى مقارنة البرمجيات الحرة بالبرمجيات مفتوحة المصدر، فكما يظهر من تعريف البرمجيات مفتوحة المصدر وشروطها، فهي لا تختلف عن البرمجيات الحرة في شي، ولكن يظهر الاختلاف الجذري هي أن البرمجيات مفتوحة المصدر هي حركة تقنية مهنية لتطوير البرمجيات، لذى هي تعجب الشركات التجارية كوسيلة للإنتاج منتجات أفضل بفضل أنها تشرك المجتمع في الإنتاج والتصنيع، ففكرة مصدر المفتوح كنظرة مهنية لا تلتزم دائما بحرية المستخدم إذا تعارضت مصلحة الشركة معها. بينما البرمجيات الحرة هي حركة اجتماعية تهتم بحرية المستخدمين من القيود التي تفرضها الشركات عليهم في المقام الأول، ولا يهمها كثيرا كون المنتج غير الحر يوفر مميزات أكثر من البرنامج الحر، لانها ترى حرية المستخدم هي المقدمة على كل شيء.
يقول ريتشارد ستولمن المناصر العنيد للبرمجيات الحرة ومؤسسها في ضمن مجادلته للمصادر المفتوحة: " الخوف من الحرية: الدافع الرئيسي لمصطلح ”المصادر المفتوحة“ هو أن المبادئ الأخلاقية ”للبرمجيات الحرة“ تجعل البعض منزعجين. الحقيقة هي أن: الحديث عن الحرية، وعن القضايا الأخلاقية، وعن المسؤوليات بالإضافة إلى المصالح الشخصية يشكل طلبا للناس أن يفكروا في أمور قد لا يحبونها، مثل نقاش أخلاقية تصرف معين. هذا قد يسبب الإزعاج، وقد يغلق البعض آذانهم عن الاستماع إليه. هذا لا يعني أننا يجب أن نتوقف عن الحديث عن هذه الأمور ."
ويتخوف ستولمن أن استخدام مصطلح البرمجيات مفتوحة المصدر يحرم المستخدمين من معرفة السبب الحقيقي وراء تطوير البرمجيات الحرة ويحرمهم من القدرة على احترام حريتهم في البرمجيات، حيث يقول: " فلسلفة المصادر المفتوحة بتركيزها الخالص على المزايا العملية تعرقل فهم المبادئ الأعمق للبرمجيات الحرة؛ لقد قادت الكثير من الناس إلى مجتمعنا، لكنها لم تعلمهم الدفاع عن الحرية. هذا أمر جيد إلى حد معين؛ لكنه ليس كافيا لجعل الحرية آمنة. جذب المستخدمين إلى البرمجيات الحرة يقودهم فقط إلى منتصف طريق دفاعهم عن حريتهم."
وكنظرة واقعية للوضع الحالي، فإن معظم الشركات التي تعمل في إنتاج البرمجيات حرة تتبع منهج المصدر المفتوح لأنه يناسب احتياجاتهم، فمن أشهر هذه الشركات شركة ردهات أشهر وأكبر شركة تنتج البرمجيات الحرة المتخصصة في جهة الخوادم، وشركة كانيكول المنتجة لتوزيعة أوبنتو أشهر توزيعة جنو/لينكس مخصصة للمستخدمين النهائيين.
ومن جهة أخرى، قرر البعض وكطريقة لإرضاء الجميع بأن يطلق مصطلحا يجمع الإثنين وهو البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر وكاختصار له FOSS وهو ما نال رضاء العديد من الحكومات والمؤسسات لأنه يجمع الطرفين معا، وكذلك يوفر مصطلحا موحدا يسهل تداوله في الإعلام والوثائق الرسمية، وهو المصطلح الذي أظن أنه مناسب للاستعمال اليوم.
وكخاتمة لمقالتنا هذه، اذكر لكم طريق الذكية للبحث عن البرمجيات في محركات البحث تستفيد من ثقافة بالبرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر،و هي أن تكتب وصف للبرنامج ثم تكتب معه مفتوح المصدر سواءا باللغة العربية أم الإنجليزية وستجد في مقدمة صفحة النتائج أحد البرامج المفتوحة المصدر و الذي سيلبي احتياجاتك في الغالب مرخص بشكل قانوني لاستخدامه مجانا، فلا تنس هذه الطريقة الطريفة أثناء البحث عن البرمجيات، وساهم في نشرها على الأصدقاء. على أمل أن نلقاكم في مقالة جديدة حول البرمجيات الحرة.